أبل 2021: ابداع متوحش يهمل القيم ويؤلم المستخدمين

جمال محمد غيطاس

ارتقى الابداع لدى شركة ابل خلال النصف الأول من العام 2021، حتى صار ابداعا متوحشا في حجمه وعمقه واتساع نطاق تأثيره العاجل والآجل، لكنه من ناحية أخرى كان ابداعا لا يخلو من انفلات، لكونه اهمل القيم الي الدرجة التي سوف تؤلم المستخدمين حتما علي الاجل القصير والبعيد… كيف.
لو رغبت فى تتبع إبداع أبل ثقيل الوزن بعيد الأثر خلال عام 2021، فلا تشغل نفسك بما حققته من روعة واتقان في منتجها الأبرز وهو هاتف أي فون، أو اشقائه من الأجهزة المحمولة الأخرى ذائعة الصيت مثل أي باد والساعة الذكية وغيرها، فكل هذه المنتجات على أهميتها وروعتها، لم تشهد سوى ما يمكننا ان نطلق عليه “التراكم السنوي” التدريجي للإبداع، الذي يجسد إضافات جديدة لا تحولات نوعية.
عليك في هذه الحالة البحث عن الابداع الاثقل وزنا واشد اثرا واعز نفرا، والذي يتجسد في التغيير الثوري الذي احدثته في مجال المعالجات الدقيقة، والذي يكاد المحللون يجمعون على أنه يشكل منعطفا مهما في مسيرة صناعة الحاسبات  من مختلف الفئات والأحجام، والهواتف الذكية والساعات الذكية، وهو نفسه التغيير الذي فتح الباب لتوجيه لكمات مؤلمة لنا جميعا كمستخدمين، الآن ومستقبلا.
لكي تعرف إبداع أبل المتوحش في هذا الشأن، يجدر بك معرفة أن المعالجات الدقيقة التي تمثل العقل الرئيس، أو وحدة التحكم المركزية للحاسبات الشخصية المكتبية والمحمولة، والحاسبات من فئة محطات العمل الأكثر قدرة من الشخصية، والحاسبات الخادمة، الأعلى قدرة من محطات العمل،  ظلت لما يناهز سبعة عقود تبني استنادا إلي بنية معمارية هندسية تعرف باسم معمارية “إكس 86” التي تعد لبنة البناء الأبرز والاشد صلابة في بناء معالجات شركة انتل اكبر صانع للمعالجات حول العالم، ومعالجات شركة اية إم دي الخصم الألد لإنتل وثاني اكبر صانع للمعالجات، ومن وراؤهما شركات أخرى مصنعة للمعالجات بما فيها ابل نفسها.
وعلى التوازي، كانت هناك بنية معمارية هندسية أخرى تعرف باسم معمارية ” أية آر إم”، استخدمت تاريخيا في انتاج معالجات تشغل مجموعة محدودة من الأوامر، وبالتالي تنتج أداء وقدرات محدودة، مقارنة بالأداء الجبار لمعالجات معمارية “إكس 86″، ولهذا السبب جرى استخدامها خلال العقود السابقة في بناء معالجات الهواتف الذكية، والحاسبات اللوحية والساعات الذكية والأجهزة القابلة للارتداء، والأجهزة اليدوية الصغيرة.
في بداية العام الحالي أعلنت أبل بكل ثقة وبلا تردد وبنجاح مبهر، أنها تخلت عن استخدام المعالجات المستندة إلي معمارية “إكس 86” مع أجهزتها من الحاسبات المكتبية والمحمولة ، بعدما نجح مبدعوها ومهندسوها في إحداث تطوير جذري، للمعالجات المستندة لمعمارية “أية آر إم”، لتعمل علي الحاسبات المحمولة والمكتبية ، بعدما كانت قاصرة علي الهواتف والأجهزة اليدوية، وانتجوا فعليا وعلى النطاق التجاري شرائح أية أر إم جديدة تحمل اسم ” ابل إم وان”، كعائلة أو سلسلة تضم في جنباتها الكثير من الطرز ذات المواصفات المتنوعة.
 شمل قرار ابل أيضا تخليها عن استخدام كل معالجات انتل المستندة لمعمارية “إكس 86″، لتحل محلها المعالجات المستندة الي شرائح ابل الجديدة المستندة لمعمارية “أية آر إم”.
اللافت أن جبروت ابل الإبداعي، جعل إعلان أبل عن هذا التغيير ثقيل الوزن ليس مجرد حديث عن شيء سيحدث، بل إعلانا  عن الطرح التجاري لحاسبات جديدة كاملة تعمل بشرائح “إم وان”، وتتضمن تغييرا ثوريا في التصميم وطريقة البناء والتشغيل، وتم انتاجها بالفعل واتخذت طريقها الي ايدي المستخدمين، ما يعني أن آلة الإبداع المهولة لدي ابل، عصفت في هبة واحدة، بالبنية المعمارية القديمة للمعالجات، وبطريقة تصميم وبناء وتشغيل الحاسبات معا، ووضعت الصناعة برمتها في منعطف جديد.
كان هذا هو الأبداع في حالته الرفيعة العميقة، فأين كان التوحش وإهمال القيم وكيل اللكمات للمستخدمين؟
بعدما وصلت حاسبات ابل العاملة بشرائح “إم وان” للأسواق، تبين أنها تحتوي علي ثلاثة خواص تمثل ثلاثة لكمات سددتها ابل للمستخدمين، وستسبب لهم ألما طويلا، وهي خواص لا تتعلق بكفاءة الجهاز أو جودته أو سرعته، وقدرته، بل تتعلق بما سيواجه المستخدم من ضغوط، وفرص شبه معدومة للإصلاح والترقية وفك واستبدال المكونات في حال الأعطال وتقليل العمر الافتراضي للاجهزة.
لقد عمدت آلة الإبداع لدي ابل ـ وفقا لتحليل أعده أدريان كينجسلي، أحد كبار خبراء التقنية والحاسبات المكتبية، والذي يعمل محلل مشارك لدي شبكة زد دي نت المتخصصة في التقنية ــ إلي تبني  أسلوب التصميم عالي الاندماج، مع جميع المنتجات الجديدة العاملة بمعالجات “أية آر إم”.
والمقصود بالتصميم عالي الاندماج هو وضع  كل مكونات الجهاز الداخلية على شريحة واحدة مترابطة بشدة، يستحيل التعامل مع أي منها بصورة فردية، عند حدوث أي عطل، أو الحاجة للصيانة، أو الترقية لمستوى أعلى.
يعنى ذلك تلقائيا ان الإبداع الرهيب الذي حدث في شرائح معالجات إم وان، وفي التطبيق الناجح بامتياز لأسلوب التصميم عالي الاندماج، يمثلان نهاية الطريق إلى الترقيات والتحسينات، فبعدما قادت ابل في العقود الماضية الطريق إلي منتجات قابلة للترقية والتحسين، عبر إجراءات ومهارات بسيطة، تأتي اليوم بتصميم يجعل هذا الأمر قريبا من المستحيل، فقد بدأت بفكرة البطارية غير القابلة للاستبدال، ثم جاءت في التغيير الثوري الأخير  وأخذت بمبدأ الكل على شريحة، فبعدما كانت المكونات منفصلة ووحدات معيارية أصغر حجمًا ومتكاملة في ألواح أو شرائح مفردة، تغير الأمر مع شريحة أبل سيليكون إم 1، وأصبحت وحدة المعالجة المركزية ووحدة معالجة الرسومات وذاكرة الوصول العشوائي والتخزين كلها لوحة واحدة.
 بعبارة أخرى، أصبحت جميع ترقيات المدرسة القديمة التي اعتاد الأشخاص تنفيذها للحفاظ على تشغيل الأنظمة القديمة لفترة أطول في حكم المنتهية، وان من يتعرض مكون ما بجهازه لأي عطب، ليس أمامه سوى شراء لوحة جديدة كاملة المكونات، والقاء اللوحة التي تعطل احد مكوناتها في سلة القمامة.
اللكمة الثانية التي تمثل الوجه المتوحش لهذا الابداع، أن ابل جعلت المكونات أكثر تكاملاً بشكل محكم ، لذا أصبح من الصعب على أي شخص آخر غير المركز المعتمد من قبل ابل إجراء إصلاحات كاملة، وباتت هناك حاجة إلى أدوات وبرامج خاصة بسبب متطلبات الأمان والمعايرة، فضلا عن أن التصميمات الرفيعة والخفيفة، تجعل الإصلاحات البسيطة أكثر صعوبة، مما يزيد من مخاطر التلف الثانوي، مثل كسر شاشة عند محاولة إصلاح شيء آخر، كما أن التصميمات الرفيعة والخفيفة ليست قريبة من متانة التصميمات القديمة الأكبر حجمًا، والنتيجة النهائية لذلك أن أسلوب صيانة الأجهزة الحالى القائم علي تسلسل الخبرة وتدرجها سيموت ويختفى حتما، ليحل محله أسلوب الصيانة القائم علي كتلة الخبرة والمهارة المتوفرة معا مرة واحدة، بلا تدرج أو تسلسل، ويزيد من الأزمة أن الأجهزة الجديدة بنحافتها ودقتها وكثافة ابداعها، أقل قدرة على مقاومة الصدمات والاحتكاك والسقوط وعوامل التشغيل القاسية الأخرى، مما يجعل الحاسبات الحالية والقديمة بالنسبة لها اشبه بدبابات محصنة قادرة علي المقاومة، وسهلة الصيانة، فيما الحاسبات الجديدة كثيفة الابداع اشبه بالصندوق الأسود المغلق علي نفسه، وسهل الكسر.
اللكمة الثالثة بالنسبة للمستخدمين أن ابل اعتمدت فكرة العمر الافتراضي القصير، لأجهزة يصعب استبدال مكوناتها، ويستحيل ترقيتها، ويصعب صيانتها، واي ماك إم 1 هو بداية عصر العمر الافتراضي المنخفض، بسنوات مكونة من رقم واحد، حتى بالنسبة للعناصر عالية التكلفة، وعمر أي ماك 1 نفسه هو خمس سنوات فقط في المتوسط، وهو عمر أقل بكثير من متوسط أعمال أجيال أجهزة ماك السابقة التي كانت تظل قيد التشغيل لفترات تتعدى العشر سنوات، ومع الابداع الجديد المتوحش المعلن هذا العام سيصيح العمر المكون من رقمين ـ أي اكثر من 9 سنوات. شيئا من الماضي.
هكذا أهدرت ابل قيما عديدة، يمكن اعتبارها حقوق تاريخية للمستخدمين، ومنها الحق في ترقية سهلة على قدر الحاجة، وطبقا لطبيعة العطل أو الجزء المعطل، والحق في صيانة سهلة متدرجة، تبدأ بالمستخدم نفسه، مرورا بفني معقول الخبرات، وانتهاء بمركز معتمد، والحق في عمر افتراضي لأقصي قدر ممكن، يسمح بتحقيق عائد على الاستثمار الموضوع في الأجهزة، ويحقق درجة من الاستقرار في بيئة العمل، سواء كانت شخصية أو مؤسسية.
أهمل ابداع ابل هذه القيم، أو الحقوق التاريخية للمستخدمين، والمشكلة مع ابل وابداعها، أن تأثير ما تفعله وتبدعه لا يتوقف عند ما تحدثه من اثر مباشر لدى مستخدميها هي، بل في امتداد تأثير هذا الابداع ووصوله لغيرها من المصنعين، فالمعروف تاريخيا أن ابل تمثل نموذج القيادة والإلهام لغيرها من الشركات الأخرى في عالم التقنية ، حتي منافسيها، فبسبب الاستشراف الدقيق، والتخطيط الإبداعي المبني علي رؤي مستقبلية نافذة وسليمة، تبين دائما أن ابل عادة ما تقود الصناعة إلي ما يصلح أن يكون معايير معتمدة من الجميع وليس من قبل ابل فقط، وهناك عشرات من السوابق التاريخية الدالة على ذلك، ويكفي ما احدثته في صناعة الهواتف المحمولة بعدما قدمت هواتف أي فون.
من هنا فإن اللكمات التي وجهتها ابل لمستخدميها فيما يخص إلغاء الترقية السهلة وقطع الغيار، وقتل الصيانة القائمة علي الخبرة المتسلسلة المتدرجة، وتخفيض العمر الافتراضي للأجهزة، هي لكمات أو أشياء سوف تجد طريقها للعديد من الشركات الأخرى، ليتلقى مستخدمو الأجهزة الأخرى اللكمات نفسها في المنتجات المقبلة، في وقت ما، ربما يكون مع منتجات العام المقبل أو ما بعده، فقد سنت أبل هذه التوجه، وسيلحق بها الآخرون لا محالة، لنتحمل نحن كمستخدمين أعباء ابداعها المتوحش.
كاتب صحفي
خبير تقنية
مؤسس مجلة لغة العصر
 

       

 

 

ابداع ابل الاثقل وزنا واشد اثرا الذي حدث هذا العام، يتجسد في التغيير الثوري الذي احدثته في مجال المعالجات الدقيقة، والذي يكاد المحللون يجمعون على أنه يشكل منعطفا مهما في مسيرة صناعة التقنية، وهو نفسه التغيير الذي فتح الباب لتوجيه لكمات مؤلمة لنا جميعا كمستخدمين، الآن ومستقبلا.

 

 

 

بعدما وصلت حاسبات ابل العاملة بشرائح “إم وان” للأسواق، تبين أنها تحتوي علي ثلاثة خواص تمثل ثلاثة لكمات سددتها ابل للمستخدمين، وستسبب لهم ألما طويلا، وهي خواص تتعلق بما سيواجه المستخدم من ضغوط، وفرص شبه معدومة للإصلاح والترقية وفك واستبدال المكونات في حال الأعطال وتقليل العمر الافتراضي للأجهزة.

 

 

 

أهدرت ابل قيما عديدة، يمكن اعتبارها حقوق تاريخية للمستخدمين، ومنها الحق في ترقية سهلة على قدر الحاجة، والحق في صيانة سهلة متدرجة، والحق في عمر افتراضي لأقصي قدر ممكن، يسمح بتحقيق عائد على الاستثمار الموضوع في الأجهزة، ويحقق درجة من الاستقرار في بيئة العمل، سواء كانت شخصية أو مؤسسية.