إذا تصادف ورن جرس هاتفك وسمعت ما يغضبك من المتحدث فلا بأس، يمكنك تحويل المكالمة الى سماعة أذنك، ثم تفرغ شحنة غضبك في هاتفك، بأن تقذف به في الحائط ليتلقى صدمة شديدة ويقع على الأرض، فتعاجله بحذائك لتسحقه سحقا، وإذا لم يكفيك ذلك فيمكنك ان تأتي بمسمار وتغرسه في الهاتف، محدثا به ثقب، تنفس به عن غضبك، ولك ان تفعل ذلك باطمئنان، فهاتفك لن يتوقف عن العمل ولن تنقطع المكاملة، ولن يصيبه ضرر، لأنه مصنوع من مادة لينة طرية كالجلد، تجعل غير قابل للكسر، ودوائره الالكترونية الداخلية مكونه من معادن سائلة، قادرة على ان تعالج نفسها وتعيد توصيل بعضها ببعض.
ليس هذا أحلام يقظة ولا خيال مريض، بل حقائق علمية، يتوقع باحثون لامعون كبار انه يمكن الوصول إليها مستقبلا، بعدما أمكن إرساء الخطوة الأولى نحو إنتاج هواتف وحاسبات وأجهزة الكترونية مختلفة، تأخذ شكل الجلد المرن اللين القابل للمط، وتعد بأنه في وقت ما يمكن الوصول الي اليوم الذي تشد فيه حاسبك من جميع أطرافه، ليتمدد ليصبح بمساحة تعادل عشرة أضعاف مساحته الاصلية، دون ان يتوقف عن العمل.
ليس كلاما مرسلا
ومرة أخرى، ليس هذا كلاما مرسلا، ولا فرضيات علمية هائمة على وجهها لم تختبر بعد، وإنما نتائج بحث علمي قام به فريق من باحثي قسم الهندسة الميكانيكية ومعهد ابتكار الجزيئات الكبيرة بجامعة فيرجينيا تيك الامريكية، برئاسة الدكتور مايكل بارتليت، الأستاذ المساعد في القسم، والدكتوران رافي توتيكا ، وتاهيدول حقي الباحثان بالقسم، ونشر قبل يومين بقسم “مواد الاتصالات” بمجلة نيتشر اكثر المجلات العلمية العالمية احتراما وموثوقية، ويمكن مطالعة تفاصيله كاملة هنا، وتمكن خلاله الفريق من ابتكار دوائر الكترونية مصنوعة من مركبات ناعمة لينة طرية، وقطرات من معادن سائلة صغيرة موصلة للكهرباء، وقدمت الجامعة البحث في بيان عبر موقعها ورد به أن نتائج البحث تمهد الطريق للأجهزة التي تُشفى ذاتيًا ، ويمكن إعادة تشكيلها ، وقابلة لإعادة التدوير، فالدوائر الالكترونية الجديدة التي توصل لها الفريق شبيهة بالجلد ناعمة ومطاطة ، وتتحمل العديد من أحداث التلف تحت الحمل دون أن تفقد الموصلية الكهربائية ، ويمكن إعادة تدويرها لتوليد دوائر جديدة في نهاية عمر المنتج، و تعد هذه الإلكترونيات اللينة جزءًا من مجال تكنولوجيا ناشئ يتقدم بسرعة، ويمنح الأجهزة مستوى من المتانة كان من المستحيل تحقيقه قبل بضع سنوات فقط.
الشفاء ذاتيا
في معرض شرحهم للبحث الجديد، قال الباحثون الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكي الحالية ، مثل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، تحتوي على مواد صلبة تستخدم أسلاكًا ملحومة تعمل في جميع الأنحاء، وهذه الأجهزة تفتقر الي الكثير من الخواص الملهمة التي تتناسب مع الاحتياجات المتنوعة والمتجددة للإنسان، مثل الأجهزة القابلة للارتداء، والروبوتات الدقيقة المتخصصة، والحاجة إلي إعادة التدوير الكامل للمنتج حفاظا على البيئة وحماية للموارد من النفاد، لذلك يتزايد حاليا الطلب على الإلكترونيات اللينة والروبوتات المرنة الطرية لتطبيقات متنوعة.
|
لكن الأجهزة اللينة لا تزال تفتقر إلى حاويات مواد وظيفية ناعمة وقابلة للمط ذات خصائص مرنة ومتجددة، مما أدى إلي نشأة تخصص جديد يبحث في إمكانية الوصول الي الالكترونيات اللينة، وهو تحديدا المجال الذي ينتمي اليه البحث الجديد، حيث حاول البحث استبدال المواد غير المرنة المستخدمة في صناعة الأجهزة الالكترونية بأخرى مرنة، وتمثلت نتيجة البحث في التوصل الي مركبات الكترونية ناعمة لينة مرنة، وقطرات معدنية سائلة صغيرة موصلة للكهرباء، يستخدمان معا في تصنيع الدوائر والمكونات الخاصة بالأجهزة الالكترونية.
وقال الدكتور مايكل بارتليت أنه يعرض في هذا البحث مركبًا سائلًا من المطاط الصناعي الملدن للإلكترونيات اللينة مع دوائر قوية قابلة للشفاء ذاتيًا وقابلة لإعادة التكوين وقابلة لإعادة التدوير في النهاية. يتم تحقيق ذلك من خلال تقنية النقش للتكوين حسب الطلب للشبكات المعدنية السائلة الموصلة والتي يمكن إعادة معالجتها لإعادة الأسلاك أو إعادة تدوير المركب الإلكتروني الناعم بالكامل، تمتد هذه الأجهزة الإلكترونية الشبيهة بالجلد إلى إجهاد 1200٪ مع أدنى تغيير في المقاومة الكهربائية ، وتحمل العديد من أحداث التلف تحت الحمل دون أن تفقد الموصلية الكهربائية ، ويتم إعادة تدويرها لتوليد أجهزة جديدة في نهاية عمرها الافتراضي، ويمكن لهذه المركبات اللينة ذات الهياكل الدقيقة المعدنية السائلة التكيفية أن تجد استخدامًا واسعًا للإلكترونيات اللينة والروبوتات.
النقش وإعادة التدوير 100%
|
وقال الدكتور رافي توتيكا إن الفريق قدم أسلوبا قابلًا للتطوير، من خلال تقنية يطلق عليها “النقش” تسمح بإنشاء دوائر قابلة للضبط بسرعة عن طريق الربط الانتقائي للقطرات المعدنية السائلة، ثم بعد فصل القطرات عن بعضها محليًا لإعادة تشكيل الدوائر، بل وإمكانية إعادة معالجة القطرات المعدنية والمواد المطاطية وإعادتها إلى محلول سائل ، وكسر جميع الوصلات لإعادة تدوير المواد ، ثم البدء من جديد في البداية، ما يعني إمكانية إعادة استخدام الدوائر الالكترونية في دورات انتاج جديدة بنسبة 100%، ومن هذه النقطة ، يمكن إعادة صنعها لبدء حياة جديدة، وهو نهج يوفر طريقًا إلى الإلكترونيات المستدامة.
من ناحية أخرى، فإن الدوائر ناعمة ومرنة ، مثل الجلد ، وتستمر في العمل حتى في ظل التلف الشديد، وإذا تم إحداث ثقب في هذه الدوائر ، فلا يزال بإمكان القطرات المعدنية نقل الطاقة، بدلاً من قطع الاتصال تمامًا كما في حالة السلك التقليدي ، وتقوم القطرات بعمل وصلات جديدة حول الفتحة لمواصلة تمرير الكهرباء، وهذه الخاصية تجعل من الممكن مثلا أن تغرس مسمارا في هاتف أو حاسب مصنوع بهذه الدوائر من دون ان يتوقف عن العمل او يصاب بالعطب، كما أن هذه الدوائر يمكن أن تتمدد مع الشد من كل الاتجاهات، دون أن تفقد اتصالها الكهربائي ، وخلال البحث سحب الفريق رقعة جلد الدوائر اللينة إلى أكثر من 10 أضعاف طولها الأصلي دون فشل في وظائفها.
محاولة سابقة للمط والدحرجة
|