البسمة تعود لشخص تهشم وجهه بانفجار لغم واعيد بناؤه بالطباعة ثلاثية الابعاد

بليسنج ماكويرا مواطن من زيمبابوي، شاء القدر أن ينفجر في وجهه لغم وهو في التاسعة من العمر، هشم فكيه العلوي والسفلى، وكسر اسنانه وقطع لسانه، فتشوهت وضاعت معالم وجهه علي نحو مؤلم، وظل علي هذه الحال يعاني صعوبات في التواصل والكلام واشياء اخري كثيرة، حتي بلغ الثالثة والعشرين من العمر، وخلال وجود بعثة مؤسسة “عمليات الأمل” الأمريكية الطبية الخيرية غير الهادفة للربح، تم اكتشاف حالته، لتقرر المؤسسة علاجه بالولايات المتحدة، ويخضع لسلسة من أكثر الجراحات ندرة وجرأة وحداثة في تاريخ الطب، استخدمت فيها ارقي التقنيات الطبية، من نظم معلومات التخطيط الجراحي الافتراضي، والطابعات ثلاثية الابعاد فائقة الدقة، وتقنيات الطب عن بعد بما فيها مؤتمرات الفيديو ونظم المشاركة والعمل التعاوني اللحظي، لتنتهي سلسلة الجراحات بإعادة بناء وجه ماكويرا، لتعود البسمة لوجهه مرة أخرى، وورائها صف من الاسنان البيضاء اللامعة المطبوعة طباعة ثلاثية الابعاد.
الوجه المعاد بناؤه لشاب زيمبابوي تكسر فكيه وتقطع لسانه وتكسرت اسنانه
نشرت تفاصيل قصة ماكويرا علي موقع شركة ثري دي سيستم الأمريكية، التي شاركت في إعادة بناء وجهة بتقنيات الجراحة بمساعدة طابعات متقدمة متخصصة في الطباعة ثلاثية الأبعاد للأغراض الطبية خاصة تخصص الفك والاسنان، وحزمة برمجية متقدمة تعرف باسم خدمات التخطيط الجراحي الافتراضي أو “في إس بي”، يتم من خلالها تقديم رسوميات ثلاثية الابعاد فائقة الدقة والوضوح وبالألوان لمخطط الجراحة قبل واثناء وبعد اجرائها، وتقديمها للجراحين في الوقت الفعلي “لحظيا” لمساعدتهم في اجراء الجراحة علي نحو صحيح ودقيق، فضلا عن أدوات تقنية أخرى، من بينها نظام الطب عن بعد عبر مؤتمرات الفيديو وأدوات العمل التشاركي، وفريق من الخبراء التقنيين المهرة المسئولين عن تشغيل هذه التقنيات والبرامج، وعلي الجانب الآخر كان هناك فريق من الجراحين والأطباء بمستشفي ميموريال في سان دييغو بكاليفورنيا، تولى القيام بالعمليات الجراحية وباقي الإجراءات الطبية الأخرى.
البسمةالتحضير وإعداد الفرق
نظام “في إس بي” البرمجي يحدد تفاصيل جراحات إعادة البناء بوضوح مذهل
بعد فترة طويلة من التحضير لسلسلة العمليات الجراحية والإجراءات الإدارية المعتادة، وصل ماكويرا إلى مطار سان دييجو في رحلة وافقت يوم الثلاثاء، وكان مقررا إجراء الجراحات يوم السبت الذي يليه، وعقب وصوله بدأت الاستعدادات علي الفور، وتشكل فريقين، الفريق التقني ويعمل بقيادة مايك رينسبيرجر خبير التقنية في ثري دي سيستم، والمسئول عن تشغيل جميع الأنظمة المشاركة في العملية كنظام تخطيط العمليات الافتراضي والطابعات ثلاثية الابعاد وغيرها من الأنظمة الأخرى، وكان الفريق التقني يعمل من مدينة جولدن بولاية كولورادو، بينما كان الفريق الطبي بقيادة الدكتور جويل بيرجر ، جراح الفم والوجه والفكين يعاونه جراح التجميل جيمس تشاو، بالمستشفى في سان دييجو، وبدأ العمل بقيام الفريق الطبي بتصوير وجه ماكويرا تفصيليا بالأشعة المقطعية، وارسالها لحظيا الي الفريق التقني بكولورادو عبر نظام الطب عن بعد.
أعمال ما قبل الجراحة
في اليوم التالي الأربعاء بدأ الفريق التقني في العاشرة صباحا في استخراج المعلومات التشريحية ثلاثية الأبعاد اللازمة لوضع تصور الجراحات ثلاثية الابعاد التي سيخضع لها ماكويرا، وبعد ساعتين من بدء العمل، كان الفريقين ومعهم المريض في عملية تواصل بالصوت والصورة لحظيا عبر الإنترنت، لعرض صور ماكويرا الطبية علي الفريق الجراحي علي مدار الساعة، ومناقشة كل شيء تفصيليا.
تبين من الفحوصات أن الفكين العلوي والسفلي مهشمين تماما، وكذلك الاسنان إما مكسورة أو مفقودة، فضلا عن فقد أجزاء كبيرة من عظام الفكين، مع تشوهات في جلد الوجه واللسان.
الطابعات الثلاثية توفر نماذج بالغة الدقة لأجزاء الوجه المفقودة والمهشمة
خلال يومي الأربعاء والخميس، عمل الفريقان علي اعداد مخطط الجراحات الافتراضي، الذي يوضح سيناريو الجراحات المطلوبة قبل البدء بها عمليا، وفي هذا السياق قال رينسبيرجر :كنت أقوم بتشغيل برنامج التخطيط الجراحي الافتراضي على الحاسب الخاص بي في مكاتبنا بكولورادو، بينما كان الجراحون يشاهدون شاشة جهاز الجهاز ويوجهون الجروح والحركات من غرفة اجتماعات في سان دييغو، وكل ذلك بتقنية ثلاثية الأبعاد في الوقت الفعلي”.
وإلى جانب الخطة الجراحية ثلاثية الأبعاد ، استخدمت أنظمة طابعات الطباعة الحجرية ثلاثية الأبعاد لإنشاء نماذج وأدوات تستند إلى تشريح ماكوير الفريد، لإنتاج نماذج وقطع تعويضية تستخدم في إعادة بناء الوجه، وفى هذه المرحلة قام الفريق التقني باستخدام أسلوب الطباعة الحجرية المجسمة الذي يتم فيه استخدام طبقات رقيقة من مادة قابلة للمعالجة فوق البنفسجية واحدة فوق الأخرى لتشكيل جزء أو تجميع جزء، وقام الفريق باستخدام طابعات ثري دي سيستم طراز بروكس 3 ـ 800، و طابعة طراز بروجيت 7000 إس إل إية، وطابعة بروكس 800، وهي طابعات تعمل بمجموعة واسعة من المواد المعروفة بنعومة السطح وتعريف الحافة وقوة التحمل، وتعتبر طابعة بروجيت 7000 مثالية لتطبيقات طب الأسنان ، حيث توفر مواد ذات قوة شد وتأثير مقاومة لدرجات الحرارة المرتفعة، وتسمح هذه النماذج للأطباء بتحليل حجم العظام بشكل شامل ، وفهم القرب من المعالم التشريحية الهامة القريبة ، والاستعداد لجراحات الفم والوجه والفكين بسهولة نسبية.
تقنيات الطب عن بعد تجمع الجراحين وخبراء التقنية عبر مدينتين متباعدتين
تحت اشراف وتوجيه الفريق الجراحي، تم اعداد ثلاث مجموعات من النماذج والقطع المطبوعة طباعة ثلاثية الأبعاد، نموذج الفك السفلي المعاد بناؤه مع قالب مطابق لثني الألواح ، ونموذج معاد بناؤه لفك العلوي، وتم استخدام هذه من قبل الجراحين لثني لوحة إعادة البناء المصنوعة من التيتانيوم قبل الجراحة ، مما يوفر وقتًا ثمينًا للعملية، والمجمعة الثالثة كانت أدوات وقطع للفك السفلي والاجزاء المفقودة كلية، مع أدوات لتوجيه شفرات منشار الجراح في غرفة العمليات، وتم استخدام نماذج الفك السفلي والفك العلوي للرجوع إليها أثناء العملية، وتُظهر هذه النماذج للجراحين ما هو مخفي تحت طبقات الأنسجة الرخوة، مما وفر خبرة عملية ثمينة للغاية في تشريح فك ماكوير قبل بدء الجراحة.
تم أيضا تجهيز المواد المستخدمة في طباعة النماذج والأدلة والقوالب اللازمة، لتكون قادرة على التعقيم والموافقة عليها للاستخدام في غرفة العمليات، وكان من بينها مادة نصف شفافة تسمح بالتلوين الانتقائي لجذور الأسنان والقنوات العصبية ؛ ومادة بيضاء غير شفافة ذات خصائص ميكانيكية فائقة تم استخدامها لأدلة القطع والقوالب ونماذج ما بعد الجراحة.
بحلول بعد الظهر من يوم الخميس، كان الفريق التقني قد انتهي من انتاج النماذج والأدلة الجراحية المطبوعة ثلاثية الأبعاد، وإرسالها ليلا إلى سان دييغو، وصباح يوم الجمع راجع الجراحون القوالب المادية والأدلة والنماذج وأعلنوا أنها جاهزة لعملية يوم السبت.
الجراحة
صباح السبت دخل ماكويرا غرفة العمليات، وتم فتح خطوط الاتصال ليصبح الفريقين علي الهواء معا لحظيا مجددا، لتبدأ سلسلة جراحات نفذها الفريق الجراحي بدعم فني من الفريق التقني، واستمر العمل المشترك على مدار 12 ساعة، جري فيها تنفيذ مخطط الجراحة الافتراضي فعليا، مع استخدام الأدلة والنماذج والاجزاء التعويضية، حتي تمت إعادة بناء وجه ماكويرا بالكامل، وعقب انتهاء العملية بنجاح قال الدكتور بيرغر رئيس الفريق الطبي الجراحي، أن نظام التخطيط الجراحي الافتراضي التي تم إنشاؤها للفريقين الجراحيين ، فريق جراحة الفكين والوجه، وفريق جراحة التجميل، سمحت بإعادة بناء العيوب بكفاءة وسرعة، وكانت النماذج والأدلة والقوالب المنتجة بالطباعة ثلاثية الأبعاد دقيقة ومُعينة بشكل جيد للغاية ، وسمحت بإجراء الجراحة دون أي عوائق، وفي جراحة لاحقة ، تلقى ماكوير غرسات اسنان في عظم فكه الجديد لدعم الأسنان وتعويض المفقود منها ، مما أعاد له ابتسامته.
بقي أن تعلم أن ماكويرا انهي فترة النقاهة، وعاد يمارس حياته بنجاح، يبتسم ويضحك ويتحدث ويأكل بحرية، ويدرس حاليا في كلية ويسترن ايداهو، ويساعد في دفع الرسوم الدراسية الخاصة به من خلال إصلاح الدراجات النارية مع الأجزاء التي يجدها في ساحات الخردة.