توشيبا تنشئ  أول شبكة معلومات كمية في التاريخ تمتد لـ 600 كيلو متر

توشيبا
نجح فريق من الباحثين في مختبر البحث والتطوير التابع لشركة توشيبا بكمبريدج ببريطانيا في نقل بيانات ومعلومات منتجة بالحوسبة الكمية عبر شبكة معلومات عاملة بالألياف الضوئية، تمتد على مسافة 600 كيلو متر، مما يعد رقما قياسيا عالميا جديدا غير مسبوق تاريخيا في مجال بناء شبكات المعلومات الكمية، يمهد الطريق نحو إنشاء شبكات كمية واسعة النطاق يمكن استخدامها لتبادل المعلومات بشكل آمن بين المدن وحتي الدول.
سجلت رقما قياسيا جديدا للاتصالات الكمية عبر الألياف الضوئية
أوضح الباحثون في بيان نشر على موقع المختبر  انهم استطاعوا نقل وحدات البيانات المنتجة بالحاسبات الكمية المعروفة باسم “الكيوبيت” لمسافة تمتد لمئات الكيلومترات من الألياف الضوئية دون خلط البيانات الكمومية الهشة المشفرة في الجسيمات ، وذلك بفضل تقنية جديدة تعمل على تحقيق الاستقرار، وتفادي التقلبات البيئية التي تحدث في الألياف، ويطلق عليها “تثبيت النطاق المزدوج”.
وأضاف الباحثون أن تحقيق التواصل بين الحاسبات الكمية يحتاج إلى إرسال واستقبال الكيوبتات – وهي جسيمات دقيقة توجد في حالة كمومية خاصة ، ولكنها هشة للغاية، ولذلك شكل العثور على طريقة مناسبة لنقل الكيوبتات دون سقوطها من حالتها الكمومية تحديا هائلا للعلماء في جميع أنحاء العالم لسنوات عديدة، ولذلك فإن الإنجاز الذي تحقق سيساعد في الجهود الرامية الي بناء “انترنت الكوانتم” او الانترنت الكمية، التي تنفذ مهام يستحيل تنفيذها مع تطبيقات الويب الحالية، وتتراوح من توليد اتصالات غير قابلة للاختراق فعليًا ، إلى إنشاء مجموعات من الأجهزة الكمية المترابطة والتي يمكنها معًا تجاوز القوة الحاسوبية للأجهزة الكلاسيكية.
جهود مماثلة
يأتي الإنجاز الذي حققه فريق توشيبا ضمن جهود مماثلة في السياق نفسه، فقد أعلن فريق من العلماء الهولنديين منتصف ابريل الماضي عن تمكنه من ربط معالجين كميين معا عن بعد، عبر معالج ثالث يعمل كعقدة ربط وسيطة بين الإثنين، لتشكل الروابط بين المعالجات الثلاثة أو شبكة معلومات كمية في التاريخ، يتوقع أن تكون حجر الأساس لإنترنت الكوانتم، او الانترنت الكمية التي يحلم بها العالم ويعمل جاهدا على تحقيقها منذ عقود، ووصف العلماء هذا الإنجاز بأنه خطوة تشبه ما حدث في مطلع ستينيات القرن الماضي ـ أي قبل اكثر من 60 عاماـ حينما نجح العلماء لأول مرة في ربط ثلاثة حاسبات تقليدية معا عبر شبكة عن بعد، ووضعوا بذلك أول حجر أساس للإنترنت التي نعرفها ونعايشها اليوم.
اعتمدت على تقنية جديدة باسم “تثبيت النطاق المزدوج”
ولا يعد توصيل الأجهزة الكمية أمرًا جديدًا، إذ يعمل العديد من الباحثين حول العالم حاليًا على شبكات مماثلة ، لكنهم نجحوا حتى الآن في ربط اثنين فقط من المعالجات الكمية، فالصين والولايات المتحدة مهتمتان بنفس القدر بتطوير الشبكات الكمية ، وقد حققتا بالفعل إنجازات بارزة في هذا المجال، فقد استطاع العلماء الصينيون ، على سبيل المثال ، اكتشاف تشابك قياسي بين معالجين كميين على مسافة 1200 كيلومتر، فيما نجح علماء امريكيون لأول مرة في تشابك كيوبتين منفصلين عن طريق توصيلهما عبر كابل، لكن هذا الجهد يختلف عن انجاز فريق توشيبا في أنه يعمل على ربط اثنين فقط من الحاسبات الكمية ولم يتم بمفهوم شبكة المعلومات الواسعة النطاق.
الظروف غير المستقرة
قال فريق توشيبا أن التحدي الكبير في نقل الكيوبتات الكمية عبر الألياف الضوئية يكمن في التغييرات الصغيرة بالبيئة المحيطة بالكابلات، مثل تقلبات درجات الحراة، التي تتسبب في تمدد الألياف وانقباضها ، وتؤدي إلى مخاطر العبث بالكيوبتات، وهذا هو سبب اقتصار التجارب على الألياف الضوئية ، حتى الآن ، على مدى مئات الكيلومترات، بعبارة أخرى ، لا يوجد مكان قريب بما يكفي لإنشاء الإنترنت الكمي العالمي الواسع النطاق الذي حلم به العلماء.
ولمعالجة الظروف غير المستقرة داخل الألياف الضوئية ، طور باحثو توشيبا تقنية جديدة تسمى “استقرار النطاق المزدوج”، يتم فيها إرسال إشارتين أسفل الألياف الضوئية بأطوال موجية مختلفة، يتم استخدام الطول الموجي الأول لإلغاء التقلبات المتغيرة بسرعة ، بينما يستخدم الطول الموجي الثاني ، الذي له نفس الطول الموجي للكيوبت ، لإجراء تعديلات دقيقة على المرحلة.، وببساطة يتحد الطولان الموجيان لإلغاء التقلبات البيئية داخل الألياف في الوقت الفعلي ، والتي ، وفقًا لباحثي توشيبا ، مكنت الكيوبتات من السفر بأمان لمسافة تزيد على 600 كيلومتر.
التشفير الكمي اول التطبيقات
استخدم الفريق هذه التقنية لتجربة أحد أكثر تطبيقات الشبكات الكمومية شهرة، وهو التشفير الكمي أو التشفير القائم على الكم المعروف باسم بروتوكول “كيو كيه دي”، الذي يعمل على تعزيز الشبكات الكمية لإنشاء مفاتيح أمان يستحيل اختراقها ، مما يعني أنه يمكن للمستخدمين تبادل المعلومات السرية بشكل آمن ، مثل البيانات المصرفية أو السجلات الصحية ، عبر قناة اتصال غير موثوق بها مثل الإنترنت.
أثناء الاتصال ، يعمل بروتوكول “كيو كيه دي” من خلال قيام أحد الطرفين بتشفير جزء من البيانات عن طريق تشفير مفتاح التشفير على كيوبت وإرسال تلك الكيوبتات إلى الشخص الآخر بفضل شبكة كمومية. ولكن بسبب قوانين ميكانيكا الكم ، من المستحيل على الجاسوس اعتراض الكيوبتات دون ترك علامة تنصت يمكن رؤيتها من قبل المستخدمين، الذين يمكنهم بدورهم اتخاذ خطوات لحماية المعلومات.
وفقا لهذا النهج فإن بروتوكول التشفير الكمي، لا يعتمد على التعقيد الرياضي المستخدم في التشفير الكلاسيكي الحالي، ولكنه يستفيد من قوانين الفيزياء، وهذا يعني أن أقوى أجهزة الكمبيوتر لن تكون قادرة على اختراق المفاتيح المستندة إلى الكيوبت، وهذا هو السبب الذي يجعل الفكرة جاذبة للمستخدمين من جميع الجهات ، بدءًا من المؤسسات المالية إلى وكالات الاستخبارات.
نتائج مثيرة للغاية
أول التطبيقات: التشفير الكمي غير القابل للاختراق فيزيائيا بأقوى الاجهزة
وصف ميركو بيتالوجا ، عالم الأبحاث في توشيبا أوروبا هذه نتيجة بالمثيرة للغاية، وقال : مع التقنيات الجديدة التي طورناها ، لا يزال من الممكن تمديد مسافة الاتصال ببروتوكول كيو كيه كي ويمكن أيضًا تطبيق حلولنا على بروتوكولات وتطبيقات الاتصالات الكمية الأخرى، لإنشاء روابط اتصال آمنة بين مدن مثل لندن وباريس وبروكسل وأمستردام ودبلن.
وحول النهج الذي استخدمه الصينيون والذي بدأ بـ 1200 كيلو متر ثم 4600 كيلو متر، قال الفريق البحثي أن كل نهج له إيجابيات وسلبيات، فالصينيون استخدموا تقنيات الأقمار الصناعية الي جانب الألياف الضوئية لتحقيق النقل لهذه المسافات البعيدة، لكن إدخال الأقمار الاصطناعية يرفع التكلفة لحدود يصعب معها توسيع نطاقه، لكن هناك شيء واحد مؤكد أن مجموعات البحث في المملكة المتحدة والصين والولايات المتحدة تمضي بخطى حثيثة لجعل الشبكات الكمية حقيقة واقعة.