لأول مرة: شاشات كقطعة المطاط قابلة للشد والتوسيع من جميع الاتجاهات

شاشات
إذا كنا نستخدم الآن الشاشات الصلبة ذات الشكل والمقاس الثابت بالحاسبات والهواتف وغيرها، وننظر بإعجاب الي الشاشات القابلة للطي، ونعتبرها التقنية الاحدث على الاطلاق، ففي المستقبل لن تثير هذه الشاشات جميعا اهتمامنا، أو ربما لن تكون موجودة على الإطلاق، فالعالم الآن في المراحل الأولى لبدء عصر الشاشات المصنعة كقطعة من المطاط المرن، القابل للشد والتكبير والتصغير والالتواء، في أشكال غير منتظمة، والتي يتوقع أن تفتح الطريق نحو هاتف ذكي مثبت على راحة يدك، أو شاشات عرض عملاقة تتدلي على مختلف الاسطح المنحنية وغير منتظمة الشكل بمنزلك أو مكتبك أو سيارتك، وسيكون هناك رياضيون تزين أجسادهم، والبداية جاءت هذا الأسبوع على يد فريق من الباحثين بمركز سامسونج للبحوث المتقدمة، الذين كشفوا النقاب عن أول شاشة مرنة كالمطاط قابلة للشد والثني وتغيير المقاس، واستخدموها بنجاح مع جهاز لعرض نبض القلب مثبت على الرسغ.
النموذج الأولي شاشة مساحتها تزيد بنسبة 30% عند شدها من الأطراف
نشرت نتائج فريق سامسونج بالعدد الأخير من مجلة تقدم العلوم، وظهرت الورقة البحثية الخاصة به على موقع المجلة يوم 4 يونيو الجاري، ثم أصدرت سامسونج بيانا حول هذا الأمر على غرفة الاخبار بموقعها الرسمي يوم 6 يونيو، جاء فيه أن باحثي سامسونج أثبتوا فعليا جدوى الإنتاج التجاري للأجهزة العاملة بالشاشات المرنة القابلة للتمدد، وهو انجاز كبير، بعدما تمكن الباحثون من التعامل مع كم كبير من التحديات الهائلة التقنية والهندسية، والتحديات المتعلقة بعلوم المواد، للتوصل إلي شاشة يمكن شدها من الطرفين فتزيد مساحتها وتتخذ الوضعية المطلوبة، بما يتجاوز الانحناء إلى المرونة الكاملة في اتخاذ الشكل غير المنتظم، مع الحفاظ على الكفاءة في عرض المحتوى ووضوحه، ولذلك أطلقوا عليها “شاشات العرض ذات الشكل الحر”.
قابلية للمط وتقدم بالمستشعرات
قال باحثو سامسونج أنهم تمكنوا من الوصول إلي شاشة تتسم بالقابلية للمط، وتحتوي على مستشعرات غاية في التقدم، تعد في حد ذاتها “اختراق علمي” في هذا المجال، حيث تم تحقيق أداء مستقر في جهاز مط مع استطالة عالية، مما يجعل البحث هو الأول في صناعة الشاشات والالكترونيات معا، لإثبات إمكانات التسويق التجاري للأجهزة القابلة للتمدد، نظرًا لأن التكنولوجيا قادرة على الاندماج مع عمليات أشباه الموصلات الحالية.
أضاف الباحثون أنهم تمكنوا من دمج شاشة عضوية قابلة للمط “أو إل إي دي”، مع مستشعر تصوير ضوئي في جهاز واحد، بغرض قياس وعرض معدل ضربات القلب في الوقت الفعلي، وسمح هذا الدمج بالوصول إلي شاشة لجهاز قياس ضربات القلب اشبه بالجلد المطاطي، التي يمكن شدها من أي جانب، ونجاح حالة الاختبار هذه تثبت جدوى توسيع التقنية التي تم التوصل إليها لتشمل تطبيقات أخرى، تزيد من استخدامات الأجهزة القابلة للتمدد في المستقبل.
تمديد 30%
تتحمل 100 الف مرة شد دون فقد لكفاءتها في الوضوح والعرض
كان أكبر انجاز في البحث هو الوصول الي شاشة أو إل إي دي على هيئة رقعة جلدية مرنة، يمكن تمديدها وتوسيع مقاسها بنسبة تصل الي 30%، أي إذا كانت مساحة الشاشة بوصة واحدة، يمكن شدها ليصبح مقاسها أو مساحتها 1.33 بوصة، وذلك بفض تعديل تكوين وهيكل المطاط الصناعي المستخدم في تصنيع الشاشة، وهو عبارة عن مركب بوليمر يتمتع بمرونة ممتاز، وقابل للاستخدام في عمليات تصنيع اشباه الموصلات الحالية، لتطبيقه على ركائز أو المواد المستخدمة كقاعدة أساسية في تصنيع شاشات أو إل إي دي لتصبح قابلة للمط.
علي الجانب الآخر، تمكن الفريق من تطوير أجهزة الاستشعار البصرية الخاصة بتتبع تدفق الدم ليكون هو الآخر قابل للمط والتوسعة، ليتحمل العمل مع الشاشة القابلة للمط، وتم بعد ذلك التأكد من أن المستشعر والشاشة استمروا في العمل بشكل طبيعي ولم يظهروا أي تدهور في الأداء مع استطالة تصل إلى 30٪.
ولوضع بحثهم قيد الاختبار، قام الباحثون بتوصيل مستشعرات معدل ضربات القلب ” بي بي جي” القابلة للمط، مع الشاشات القابلة للمط، ثم تهيئة الاثنين في شكل رقعة جلدية، توضع بالرسغ الداخلي بالقرب من الشريان الشعاعي بساعد الإنسان، لتبقى موثوقة مع استطالة الجلد حتى 30٪، وأكد هذا الاختبار أيضًا أن المستشعر وشاشة أو إل إي دي استمرت في العمل بثبات حتى بعد تمددها 1000 مرة، وعلاوة على ذلك، عند قياس الإشارات من معصم متحرك، تبين أن المستشعر يلتقط إشارة نبضات القلب أقوى بمقدار 2.4 مرة مما يمكن أن يلتقطه مستشعر السيليكون الثابت.
وقال الدكتور يونج جون يون رئيس الفريق أن قوة هذه التقنية تكمن في أنها تسمح برصد وتتبع وعرض بيانات المقاييس الحيوية الخاصة بك لفترة أطول دون الحاجة إلى إزالة المحلول عند النوم أو ممارسة الرياضة، لأن الرقعة المطاطية المعدة على هيئة جلد، تبدو وكأنها جزء من بشرتك، ويمكنك أيضًا التحقق من بياناتك الحيوية على الفور على الشاشة دون الحاجة إلى نقلها إلى جهاز خارجي، ويمكن أيضًا توسيع التكنولوجيا لاستخدامها في منتجات الرعاية الصحية القابلة للارتداء للبالغين والأطفال والرضع، وكذلك المرضى الذين يعانون من أمراض معينة.”
التغلب على التحديات
قدم الدكتور يونج المزيد من الشرح حول هذه الخطوة قائلا إن تنفيذ تقنية العرض المطاطي أمر صعب، لأنه عادة عندما يتم تمديد الشاشة أو التلاعب في شكلها، إما أن الجهاز ينكسر أو يتدهور أداؤه، وللتغلب على هذه المشكلة، يجب أن تتمتع جميع المواد والعناصر، بما في ذلك الركيزة والإلكترود وترانزستور الأغشية الرقيقة وطبقة مادة الانبعاث والمستشعر، بقدرة فيزيائية على التمدد بالإضافة إلى القدرة على الحفاظ على خصائصها الكهربائية، ولتحقيق ذلك تم استبدال المواد البلاستيكية المستخدمة في شاشات العرض المطاطية الحالية بمادة تسمي “الاستومر”، مع نظام فريد ومبتكر للإنتاج قام الفريق بتطويره، والاستومر مادة متقدمة ذات مرونة عالية، ولكنها محدودة في قدرتها على تطبيقها على عمليات أشباه الموصلات الحالية لأنها عرضة للحرارة.
وللتخفيف من ذلك، عزز الفريق المقاومة الحرارية للمادة من خلال تكييف تركيبتها الجزيئية. كما قام بدمج سلاسل جزيئات معينة كيميائيًا من أجل إنشاء مقاومة للمواد المستخدمة في عمليات أشباه الموصلات، وطبق الفريق طريقة اطلق عليها “هيكل الجزيرة”، للتخفيف من الإجهاد الناجم عن الاستطالة، وتم إحداث المزيد من الإجهاد في منطقة المطاط الصناعي، والذي يتميز بمعامل مرونة منخفض نسبيًا وبالتالي من المرجح أن يتشوه. سمح لنا ذلك بتقليل الضغط الذي تتعرض له منطقة البكسل داخل طبقة “إو إل إي دي”، والتي تكون أكثر عرضة لمثل هذا الضغط، وذلك من خلال استخدام مادة قطب كهربائي قابلة للمط “معدن متصدع” تقاوم التشوه في منطقة المطاط الصناعي، وهذا سمح للمسافات وأقطاب الأسلاك بين وحدات البكسل بالتمدد والانكماش دون أن تتشوه وحدات البكسل نفسها عند عمل الشاشة.
الحالة الأولى للتطبيق
التجربة الاولي للتشغيل تمت مع جهاز مراقبة نشاط القلب
استخدمت نتائج البحث السابقة في تجهيز نموذج أولى، جري تطبيقه على أجهزة مراقبة نشاط القلب، حيث تم تصنيع المستشعر القابل للمط بطريقة تجعل قياسات ضربات القلب المستمرة ممكنة بدرجة عالية من الحساسية مقارنة بأجهزة الاستشعار الثابتة القابلة للارتداء الموجودة اليوم، حيث يتم الرصد والقياس عن طريق تسهيل الالتصاق الوثيق بالجلد، مما يقلل من تناقضات الأداء التي يمكن أن تسببها الحركة، ويعد العمل الذي قام به الفريق ذا أهمية خاصة، لأنه أتاح المقاومة الكيميائية والحرارة لمادة المطاط الصناعي، مما يجعل تسويق الأجهزة القابلة للتمدد ذات الدقة العالية والشاشات الكبيرة أكثر احتمالًا في المستقبل.
وبحسب الدكتور جونج فإن البحث لا يزال في مراحله الأولى، والهدف هو انتاج وتسويق الأجهزة القابلة للمط من خلال زيادة دقة النظام وقابلية التمدد ودقة القياس إلى مستوى يجعل الإنتاج الضخم ممكنًا، وبالإضافة إلى مستشعر ضربات القلب الذي تم تطبيقه في حالة الاختبار هذه، يخطط الفريق لدمج أجهزة استشعار قابلة للمط وشاشات عرض ذات شكل حر عالي الدقة لتمكين المستخدمين من مراقبة أشياء مثل تشبع الأكسجين المحيطي وقراءات مخطط كهربية العضل وضغط الدم.
مؤشر على مرحلة جديدة
وفي تعليق نشرته مجلة سبكترم العلمية التابعة لجمعية مهندسي الكهرباء والالكترونيات الدولية “آي 3 إي”، وصفت هذا التطور بأنه في مرحلة تشابه المرحلة التي طرحت فيها موتورولا أول هاتف محمول باليد قبل نحو نصف قرن، حينما كان بحجم طوبة بناء، ووزن ثقيل، ويستخدم فقط في المكالمات، ثم تطور حتي صار إلي ما هو عليه الآن، من التعامل مع الرسائل النصية، وتصفح الويب، وتشغيل الموسيقى، والتقاط الصور ومقاطع الفيديو وعرضها، وتحديد موقع المالك على الخريطة، وخدمة استخدامات أخرى لا حصر لها، وتطبيقات تتجاوز بكثير ما كان يتخيله أي شخص عند ظهور المحمول لأول مرة.
والمتوقع أن هنا أن تأخذ الشاشات المرنة القابلة للمط بعض الوقت، لكي تصل الي الاستخدام واسع النطاق، بكامل تطبيقاتها المحتملة، والتي ستتجاوز دون شك قدرات الشاشات القابلة للطي، وقالت المجلة أنه بقليل من الخيال، يمكنك تخيل ما سيحدث مستقبلا، حيث يكون هناك رياضيون مزينون بشاشات بيومترية متصلة بأذرعهم أو أرجلهم، وهواتف ذكية نرتديها على راحة أيدينا، وشاشات تتدلى بشكل متوافق على مختلف الأسطح المنحنية، لتتيح تطبيقات ربما لا تطرأ على مخيلة أحد الآن.