القتل عند الميلاد ..قرار فيس بوك وتويتر ضد كلوب هاوس

جمال محمد غيطاس

بعدما أحدث زخما جديدا في ساحة شبكات التواص الاجتماعي المتنوعة والمتنافسة خلال الأشهر الأخيرة، وبعد ما كسرت قيمته السوقية حاجز الأربعة مليارات دولار، وتجاوز عدد مستخدميه عدة ملايين، بات تطبيق ” كلوب هاوس” في مواجهة مكشوفة ومحتومة مع العملاقين فيس بوك وتويتر.
والعديد من الشواهد التي ظهرت من قبل العملاقين خلال الأسابيع والأيام الماضية، تشير إلي أن المواجهة بدأت بالفعل بحدة  لا لبس فيها، وأن خيارهما تجاه هذا الوافد الجديد هو استراتيجية “القتل عند الميلاد”، وهي استراتيجية مخالفة لاستراتيجية “الابتلاع عند الكبر”، التي طبقها فيس بوك مع كل من انستجرام وواتس اب، كما طبقها تويتر مع آخرين أقل حجما وشهرة.
حدة المواجهة بين العملاقين، والوليد الجديد، تعود بالأساس إلى أن كلوب هاوس، ربما من حيث لم يخطط، فجر صراعا جديد بدا  مريرا واسع النطاق منذ لحظته الأولى، حول ما يعرف بسوق “الصوت الاجتماعي”، أو التواصل الاجتماعي القائم علي الصوت فقط عبر الفضاء الالكتروني.
يعيد هذا الصراع للأذهان، ما حدث إبان اختراع الهواتف في نهاية القرن التاسع عشر، ثم تحولها إلي صناعة ضخمة طوال القرن العشرين، انتهت في العقدين الأخيرين منه، إلي حالة تمازج شبه كاملة، بين شبكات الاتصالات الصوتية، وشبكات المعلومات والبيانات، ليولد في رحمها الفضاء الالكتروني القائم على تبادل البيانات، في صورتها المرئية والنصية والصوتية معا، ثم عاد مع كلوب هاوس ليمضي في مسار الصوت فقط، وكأن التاريخ يعيد نفسه في دورة جديدة أساسها الصوت، ولكن ليس عبر شبكات الهواتف، بل في قلب الفضاء الالكتروني القائم علي البيانات.
يعرف مسئولو فيس بوك وتويتر، عمق واتساع الإمكانات الواعدة للوتر الذي ضرب عليه كلوب هاوس، ويتوقعون أنه سينمو بصورة صاروخية، مولدا كعكة مترامية الأطراف مستمرة النمو، من المستخدمين والعائدات، ربما تمثل مخرجا علي الاجل المتوسط، من أزمة التشبع التي بات كل منهما يواجهها، بعد دخول مستخدمي الفيس بوك لعتبة المليار الثالث من المستخدمين، واقتراب تويتر من عتبة المليار الثاني.
القوة الكامنة في مسار الصوت الاجتماعي تعود إلي خصائص الصوت نفسه كوسيلة تواصل، فالكلام والصوت واللغة هي اللبنات الأساسية لكيفية تواصلنا مع بعضنا البعض منذ ظهور الانسان علي الأرض، والسرد بالصوت ظل يساعد الإنسان على بناء روابط ذات مغزى، فالصوت يتناسب بسلاسة مع حياتنا المزدحمة، ويسمح لنا بالاستلهام من الأفكار الجديدة، والتحدث مع الأشخاص الآخرين ذوي التفكير المماثل دون ضغوط، ويمكنك مشاركة قصتك الشخصية أو الانضمام إلى محادثة عالمية بأي طريقة وفي أي وقت وفي أي مكان،  حتى في وقت يكون شعرك فيه منكوشا، أو وجهك بلا حلاقة، أو في سيارتك أو أثناء الركض، ولو تفحصت هذا الأمر قليلا، ستجد أن لدينا جميعًا قصصًا لمشاركتها مع أصدقائنا ومجتمعاتنا والعالم بأسره، محورها الأساسي الصوت.
وهكذا… فإن خصائص الصوت، تجعل التواصل الصوتي ينتج تجارب صوتية جيدة غامرة وحميمة، وعملية وسريعة وسهلة، ولعل هذا كان مكمن القوة الهائلة التي حصل عليها كلوب هاوس عقب ظهوره، وساعد على ذلك أن فكرة كلوب هاوس نفسها كانت موفقة إلي حد كبير، فمؤسساه باول دافيسون، وروهان سيث، خبيرا التقنية بوادي السيليكون، استلهما فكرته من “كلوب هاوس” أو “بيت النادي” الموجود بأمريكا، وهو عبارة عن مبني يستضيف ناد اجتماعي، ويقدم خدمات البار والمشروبات وغيرها من التسهيلات الأخرى لأعضاء النادي فقط، ممن يعرفون بعضهم البعض، وتقوم فكرته علي صفة “الحصرية” والخصوصية، ومن هنا جاء التطبيق قائم علي الدعوات فقط حتي الآن، ويتوخى الخصوصية بصورة كبيرة، ولتحقيق الخصوصية استخدم الصوت فقط دون الصورة، كوسيلة للحوار والتواصل بين الأعضاء بقدر أكبر من الخصوصية، وعمليا نجحت خلطة الصوت والخصوصية في جعله يتقدم بسرعة على النحو الذي شهدناه.
لم تكن عيون وعقول المسئولين والمحللين لدي فيس بوك وتويتر بمنأى عن ما قدمه كلوب هاوس وما حققه من جماهيرية، وتصاعد في القيمة السوقية كسر حاجز الأربعة مليارات خلال اقل من خمسة اشهر، ومن يتابع هذا الأمر يجد أن إجراءات العملاقين الدالة علي المضي في استراتيجية القتل عند الميلاد، بدأت تظهر للوجود مع مطلع العام، ثم تكثفت خلال مارس وابريل.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، خرجت تسريبات قبل أسابيع عن أن فيس فريق تجربة منتج جديد، أو “إن بي إي”، ذائع الصيت داخل فيس بوك، تطبيقا تجريبيا جديدا يحمل اسم مبدئي هو “هوت لاين”، او الخط الساخن، يتشابه في خصائصه مع “كلب هاوس”، وخدمة الفضاءات أو “سبيسس” من تويتر، وسيكون مزيج من تطبيق انستجرام لايف، الذي يعمل حاليا، وخصائص “كلب هاوس” الأساسية، لكنه يزيد عليهما بكونه يسمح للمستخدمين بالتواصل بالفيديو المباشر، جنبا إلي جنب مع التواصل بالصوت، وأبرز سماته أن واجهته الرئيسية مستوحاه تقريبا من “كلب هاوس”، وإن كانت تحتوي على إضافة جديدة مميزة، وهي أنها تعرض مضيف الحدث في رمز ملف التعريف المستدير.
وخلال الأيام الماضية، عاد فيس بوك وأعلن رسميا  عن حزمة خدمات صوتية جديدة، يستهدف طرحها لأكثر من 1.8 مليار شخص من مستخدميه خلال أقل من عام من الآن، وتضم استديو الصوت الكامل المحمول بالجيب، والذي يتيح لأي مستخدم للفيس بك بث وتسجيل الصوت، وتحويل الكلام لنص والعكس، والمزج بين الصوت والموسيقي، وذلك بجودة رائعة، وأداة إنشاء المقاطع الصوتية القصيرة المبتكرة وبثها مباشرة، والثالثة السماح لأصحاب وأعضاء المدونات الصوتية الحالية “البودكاست” بتشغيل وإدارة مدوناتهم وبث محتواها من خلال فيس بوك مباشرة، والرابعة خدمة غرف الصوت الحية المباشرة، التي ستعمل من داخل مجموعات فيس بوك الحالية والجديدة، وتتاح لأعضاء كل مجموعة تلقائيا، ليتم التواصل فيما بينهم بصورة حية تلقائية، جنب إلي جنب مع أدوات التواصل الحالية القائمة على النص.
أما تويتر فأعلن أواخر فبراير الماضي ثاني عملية تشغيل تجريبي لخدمة بث المقاطع الصوتية المسجلة مع التغريدات النصية، وذلك بعد الاختبار الأول الذي تم في يونيو الماضي، ثم ظهرت تسريبات في أواخر مارس، حول قيامه بالعمل  على إطلاق ثلاثة تحسينات كبري، من بينها تطوير خدمة الفضاءات الصوتية، التي تقدم خدمات مشابهة لخدمات “كلوب هاوس”، واخر ما أعلن في هذا الصدد، هو قيام تويتر بإضافة تحديث، يجعل المستخدم عنما يضغط على علامة “سبيسس” ينتقل إلي قائمة كاملة بالمحادثات الصوتية الجارية في خدمة “سبيسس” ليقرر ما اذا سيشترك في أي منها، ومن المحتمل أن يتضمن التحديث خواص أخرى عند الإطلاق الرسمي، وربما تشكل تهديدا جديا لتطبيق كلب هاوس وهو في ذروة انطلاقته.
أما انستجرام فنفذ تجربة للبث الصوتي المباشر متعدد المشاركين خلال مارس، ليتمكن مستخدميه من اجراء محادثات جماعية مباشرة صوتية ومرئية، بأعداد تبدأ بـ 4 أشخاص، ثم يرتفع الرقم بعد ذلك، وكانت انستجرام قد بدأت الشغيل التجريبي لهذه الخدمة في أوائل ديسمبر الماضي داخل الهند فقط، تحت اسم “انستجرام لايف” تمشيا مع الارتفاع الكبير بخدمة البث المباشر المتعدد المشاركين بالسوق الهندية، الذي كان مدفوعا بعاملين، الحظر المفروض  على تطبيق تيك توك بالمنطقة، والإجراءات المصاحبة لمكافحة وباء كورونا، وما تبعها من عمليات إغلاق وتقييد للحركة، وبحسب انستجرام فإن التشغيل التجريبي حقق نجاحا كبيرا ، حيث حققت الخدمة نموا قدره 60% .
كما هو واضح، تحاول الإجراءات السابقة تطويق كلوب هاوس من كل جانب، وخنقه بسلسلة الخدمات السريعة، المستندة لقاعدة مستخدمين لا قبل له بها علي الإطلاق، ليتداعي ويزوي وهو في لحظة الميلاد، ليصبح الفارق بينهما وبينه في عقر داره ومركز تميزه، غير قابل للتضيق، ناهيك عن الإزالة،  لأنه بكل مستخدميه يعتبر نقطة في بحر، مقابل مستخدمي العملاقين، فهو يملك ما يناهز ثلاثة ملايين مستخدم، اقبلوا عليه وهو في حالته المغلقة بالدعوات، وبجانبهم ضجة كبيرة، جزء منها نفسي دعائي، مقابل 1.8 مليار مستخدم لدي فيس بوك، واكثر من نصف مليار مستخدم لتويتر، بات لديهم ولاء عميق، ممزوج بمصالح حقيقية، هي في واقعها خليط من السلوك والعمل الاجتماعي والوظيفي، والذهني والابداعي والترفيهي، لم يعد بالإمكان الاستغناء عنه، لكن يمكن البناء عليه والاستزادة منه.
هذا يجعل استراتيجية “القتل عند الميلاد” هي المرجحة الآن لدي العملاقين تجاه كلوب هاوس، والأغلب أنها ستستمر علي الاجل القصير والمتوسط، لينهك ويتداعى ويزوي وينتهي، أو يظل قزما ليس بإمكانه أن يحلم بدخول نادي العمالقة.
لكن إذا استطاع كلوب هاوس كسر كل موازين القوى القائمة، وتجاوز الخدمات التي ظهر من قبل العملاقين لتخنقه، فالأرجح ساعتها أن العملاقين سيلجآن للاستراتيجية الثانية التي تمرسا عليها مرارا، وهي الابتلاع عند الكبر، ليصحو العالم ذات يوم، وكلوب هاوس قد بات جزاء من صفقة استحواذ أو شراء كبري بعدة مليارات، ليدخل في عباءة أي منهما، وإن كان المرجح أن السيولة الهائلة والمقدرة النقدية الضخمة لدي فيس بوك، ستجعل كلوب هاوس يصل في نهاية المطاف إلي محفظة فيس بوك، لكنه في الأغلب لن يحتفظ بشخصيته وعلامته التجارية، كما حدث مع واتس اب وانستجرام، بل سيذوب ليصبح تقنية عاملة في امبراطورية تقنيات فيس بوك الهائلة، وبعد فترة لن يكون اكثر من حجر ازيل من الطريق مقابل عدة مليارات، دفعت لمؤسسي كلوب هاوس والعاملين به.
كاتب صحفي
خبير تقنية
مؤسس مجلة لغة العصر
 

       

 

 

العديد من الشواهد التي ظهرت من قبل فيس بوك وتويتر خلال الأسابيع والأيام الماضية، تشير إلي أن المواجهة بينهما وبين كلوب هاوس بدأت بالفعل بحدة  لا لبس فيها، وأن خيارهما تجاه هذا الوافد الجديد هو استراتيجية “القتل عند الميلاد”

 

 

 

القوة الكامنة في مسار الصوت الاجتماعي الذي تبناه كلوب هاوس، تعود إلي خصائص الصوت نفسه كوسيلة تواصل، فالكلام والصوت واللغة هي اللبنات الأساسية لكيفية تواصلنا مع بعضنا البعض منذ ظهور الانسان علي الأرض

 

 

 

بعد فترة قد تطول، لن يكون كلوب هاوس اكثر من حجر ازيل من طريق فيس بوك وتويتر مقابل عدة مليارات، دفعت لمؤسسيه والعاملين به.