مايكروسوفت تقاتل القابل للطي … بالمزدوج الشاشة

جمال محمد غيطاس

بعد الهزيمة الساحقة والفشل التام لـ “ويندوز فون”، وغيره من محاولات العمل في مجال الهواتف المحمولة، التي امتدت على مدار ما يقرب من عشرين عاما، عادت مايكروسوفت للقتال في ساحة الهواتف المحمولة بسلاح جديد هو الهاتف مزدوج الشاشة “سيرفس دو”، فهل تنجح؟
تقتضي الإجابة العودة إلي الماضي، لمعرفة ما الذي فعلته مايكروسوفت سابقا وكان مصيره الفشل.
محاولات مايكروسوفت للدخول في عالم المحمول، تعود جذورها الي تسعينيات القرن الماضي، وتحديدا عام 1996، حينما بدأت في تصنيع نظام تشغيل ” ويندوز سي إي” لأجهزة المساعدات الرقمية، وساعتها كان التوجه مختلف، ولا يخلو من عنجهية واضحة، إذ سعي لتحقيق اختراق كبير في عالم نظم التشغيل، ليحقق ويندوز في عالم المحمول، ما حققه في عالم الحاسبات الشخصية المكتبية والمحمولة والخادمة، لذلك لميتم تصميم البرنامج للشاشات التي تعمل باللمس ، وكانت التطبيقات تبدو وكأنها برامج حاسب مكتبي مدمجة لتناسب شاشات أصغر، لذلك فشلت مايكروسوفت فشلا ذريعا في تحقيق هدفها، وانفتح عالم نظم تشغيل المحمول على مصراعيه أمام آخرين، بدءا بنوكيا، وانتهاء بجوجل وابل.
التقط ستيف جوبز رئيس ابل العبقري نقطة الضعف في تحرك مايكروسوفت، عندما حاول تقديم أي فون لأول مرة في عام 2007، حيث قدم أول جهاز أي فون بشاشة لمس كاملة، وبرامج مصممة خصيصًا للاستفادة من هذه الواجهة، وكان هاتفًا محمولًا ومشغلًا للموسيقى وجهاز إنترنت مناسبًا لجيبك.
وفي عام 2008 سارت جوجل على درب أبل، ومعها شركاؤها، وقدموا نظام تشغيل أندرويد، ومن جانبها تلكأت مايكروسوفت واستمرت في نظرتها العنجهية القائمة على مواجهة المنافسين، ولم تستجب لدخول جوجل ومعها فريق من الشركات، ضم اتش تي سي وتي موبايل وغيرهما.
 تلكأت مايكروسوفت في الاستجابة حتي عام 2010، حينما قدمت أول هاتف يعمل بنسخة من ويندوز 7، مخصصة للهواتف المحمولة، ثم اشترت نوكيا في عام 2014 مقابل 7.2 مليار دولار، لتكمل خطتها في بناء عالمها الخاص بالمحمول، ولاقت استقبالا حسنا من المحللين، لكنها وجدت عدد قليلا من المشترين، ففشلت جهودها للمرة الثانية، وتلاهما فشل ذريع آخر لكل من ويندوز فون 8 وويندوز 10 موبايل.
وحينما وصل ويندوز فون إلى ذروته، لم يحصد سوي 3.3% من المستخدمين، وكان ذلك في عام 2013، ووقتها حين بلغت حصة اندرويد 79% واي أو إس من ابل 15%، ومنذ ذلك الحين لم يعد هناك خيار ثالث بين اندرويد وآي أو إس، وكان خروج ويندوز من سوق نظم تشغيل الهواتف حتميا، فألغت مايكروسوفت أعمالها في هذا المجال،
وفي 2015 سرحت مايكروسوفت آلاف الأشخاص في أعمال هواتف نوكيا الخاصة بها، وقامت بإعادة هيكلة العمليات، وفي 2016 باعت وحدة الهاتف الخاسرة مقابل 350 مليون دولار لشركة إف آي إتش موبايل، التابعة لشركة فوكسكون التايوانية العملاقة، وشركة ناشئة في فنلندا تدعي إتش إم دي جلوبال، وقيل انها شطبت كل ما حصلت عليه من صفقة نوكيا من أصولها الثابتة، وانتهي المطاف بسيطرة مطلقة لأبل وجوجل على سوق نظم تشغيل المحمول، ليعترف بيل جيتس مؤسس مايكروسوفت بأن خطأه الأكبر على الإطلاق، هو فشله في بناء اكبر نظام تشغيل للهاتف المحمول غير تابع لأبل.
تولي ساتيا ناديلا منصب الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت، وتبني سياسة مختلفة جذريا، خلعت عن مايكروسوفت رداء العنجهية التاريخية، وجعلتها تنتقل من نهج التنافس مع المتنافسين، إلي المشاركة مع المتنافسين.
يعد ” سيرفيس ديو “، واحد من ابرز النتائج المترتبة على سياسات ساتيا ناديلا، فقد دخلت مايكروسوفت انتاج هذا الجهاز عبر مشاركة عميقة مع جوجل، وقبول بسيط ومريح وعميق بتشغيل اندرويد على الجهاز، كبديل لويندوز، وهو ما كان في الماضي بمثابة ” المس بقدس الأقداس”.
فعلت مايكروسوفت شيئا مماثلا مع ابل، حينما طرحت إصدارات من اوفيس لكل من أي فون واي باد، ووضعتها على متجر آب ستور، كما قدمت برامج محملة على جهاز سامسونج جالكسي نوت 10.
أخيرا .. جاء “سيرفس ديو” في تصميم قابل للطي كمفكرة ورقية صغيرة، حيث يتضمن الهاتف شاشتين كل منهما مقاس 5.6 بوصة تتحول إلى شاشة مقاسها 8.3 بوصة عند بسط الجهاز، مع إمكانية تشغيل تطبيق على كل شاشة والسحب والإدراج بين الشاشتين، مثل نسخ صورة ولصقها في التطبيق في الشاشة الأخرى، أو استخدام كلا الشاشتين كشاشة واحدة، بالإضافة إلى إمكانية استخدام إحدى الشاشتين كلوحة مفاتيح أو كذراع تحكم في الألعاب، ويوضح الفيديو الترويجي الخاص بالجهاز أنه قابل للطي 360 درجة، بحيث يمكن طيه كهاتف أو كتابلت أو على هيئة حاسب محمول صغير الحجم.
لم تكتف مايكروسوفت بذلك، بل حشدت في سلاحها الجديد ميزة جديدة، هي ازدواج الشاشة، حيث يمكن لزوج الشاشات الموجود بها توفير مساحة قد تتساوي أو تتفوق على اجمالي مساحة شاشات الهواتف الذكية القابلة للطي.
قدمت مايكروسوفت ” سيرفس ديو” ، وهي حريصة على أن يجمع بين أفضل ما لدى جوجل، وهو نظام تشغيل اندرويد، وأفضل ما لدي مايكروسوفت، وهو “التطبيقات الانتاجية” سواء المكتبية أو السحابية، وتعتقد أن هذين العاملين يمثلان الحسنيين، اللتان ستفتحان لها بابا للنجاح في عالم الهواتف المحمولة، أو بصورة أدق سوق الأجهزة من فئة “الفابلت”، التي تجمع بين خصائص الهاتف الذكي عالي المواصفات، ذي الشاشة الكبيرة، وخصائص الحاسب اللوحي المتمتع بقدرات جيدة في الحوسبة والذاكرة الالكترونية والتخزين.
تشير هذه الخواص جميعا إلي أنه بعد عشرين عاما وأكثر قليلا، أنتهي المطاف بمايكروسوفت وهي تبدأ شوطا جديدا من الصفر في عالم المحمول، تجعل فيه الهواتف القابلة للطي هدفا رئيسا للمنافسة، وتقاتلها بجهاز مزدوج الشاشة، وتكاد تحصر ساحة المعركة في التطبيقات الإنتاجية، ونطاق الأعمال بالأساس، لا خدمات الهاتف المألوفة من اتصال وكاميرات وتصوير وترفيه وتواصل وخلافه، لأن التنافس بين وبين أي هاتف ذكي آخر قابل للطي، أو من الفئة العليا، لا يتمحور حول نظام تشغيل، أو القدرات التي تتعلق بالمكونات الاخرى من ذاكرة ومعالج وغيره، لأن كل هذه الأشياء متقاربة وربما موحدة في الحالتين، وإنما يكاد التنافس بينها ينحصر في الشاشة الكبيرة المصممة لخدمة التطبيقات والإنتاجية، والعمل التعاوني.
في النهاية: هل سيكسب مزدوج مايكروسوفت، أم مطوي سامسونج وإل جي وموتورولا؟
كل خصائص ومزايا سيرفيس ديو، لا تمنح مايكروسوفت صكا على بياض للنجاح، بل تضعها في موقع المنافس الذي بات يتحلى بالواقعية، ولا يحارب طواحين الهواء، بل ينقل معركته إلي المكان الصحيح او الأقرب للصحيح، وهذا ما قد يجعلها تحقق نتائج مختلفة هذه المرة … ولننتظر ونري.
كاتب صحفي
خبير تقنية
مؤسس مجلة لغة العصر
 

       

في 1996، حاولت مايكروسوفت دخول عالم المحمول بتوجه اتصف بعنجهية واضحة، متصورا أن يحقق ويندوز في عالم المحمول، ما حققه في عالم الحاسبات الشخصية

 

بعد محاولات يائسة علي مدار 20 عاما، اعترف بيل جيتس بأن خطأه الأكبر على الإطلاق، هو فشله في بناء اكبر نظام تشغيل للهاتف المحمول غير تابع لأبل.

ساتيا ناديلا يخلع رداء العنجهية التاريخية، وينقل مايكروسوفت من نهج التنافس مع المتنافسين، إلي المشاركة مع المتنافسين، ويفتح الباب لنتائج مختلفة