الشم الرقمي .. يكشف جودة الطهي وأصالة العطور واعطال الماكينات

داخل أي مطبخ كبير أو صغير، بات من الممكن اكتشاف مهارات وبراعة الطاهي أو الطهاة والحكم علي جودة طبيخهم لحظيا من رائحته، وداخل أي مخزن للأغذية بات من الممكن اكتشاف فساد أي عنصر من العناصر والمواد الغذائية في اللحظات الأولي للعطب والتعفن، من خلال تعقب رائحة كل عنصر علي حدة، وداخل أي متجر للروائح والعطور، بات من الممكن اكتشاف مدي اصالة العطر ونقائه وجوته بمجرد انتشار حبات من رذاذ العطر بالمكان، بغض النظر عما يقوله البائع، وداخل أي عنبر انتاج أو مصنع، بات من الممكن أن يتم التعرف لحظيا علي أي من الماكينات ستتعرض للعطل والعطب بعد قليل، من خلال تحسس رائحتها، وكل هذا وغيره بات ممكنا بفضل ثورة “الشم الرقمي”، التي فجرتها النوعية الجديدة من “الأنوف الرقمية” القادرة علي أن تتحسسن 500 رائحة ، وتكشف هويتها وتعرض دلالاتها  لحظيا.
أنوف رقمية تستشعر  الرائحة وتتعرف عليها وتكشف دلالاتها
تستند للعلوم البيو كيميائية والمستشعرات الالكترونية 
تملك بصمة لكل رائحة وتجري مقارنات لحظية لتحديدها فورا
عالميا، تعمل العديد من الشركات الناشئة والكبيرة علي السواء في مجال الشم الرقمي، ومن ألمع الشركات العاملة في هذا المجال شركة فرنسية تدعي “أراي بال”، مقرها مدينة جرونوبل، وأمضت السنوات الست الماضية في تطوير أنف رقمي، كشفت النقاب عنه نهاية 2020، ويعد خطوة مهمة في ثورة الشم الرقمي، لكونه يتكون من خليط من الأساليب البيو كيميائية والمستشعرات الالكترونية، والبرمجيات المدمجة، والشرائح الدقيقة، وتقنية التعلم الآلي، وقادرا على تحسس واكتشاف 500 رائحة مختلفة، وتحليلها والتعرف على قوتها وجودتها، وتحديد مصدرها وعرض ما تدل عليه، خلال ثوان.
زواج الكيمياء حيوية بأشباه موصلات
في معرض شرحه للأنف الرقمي الجديد، قال سام جويلومي ، الرئيس التنفيذي للشركة، أن الشم الرقمي تقنية تعمل من خلال مجموعة من المستشعرات تم التوصل إليها من خلال التزاوج الفريد بين الكيمياء الحيوية، وتقنيات أشباه الموصلات والشرائح الالكترونية، وأدوات التعلم الآلي المضمنة على هيئة برمجيات مدمجة على الشريحة، ليشكل الجميع منظومة تحاكي الأنف البشري تماما، وتعمل مثل البصيلة الشمية في المخ.
وبحسب قوله فإن الأنوف الرقمية والشم الرقمي، تعتمد في عملها علي وجود بصمة فريدة لكل رائحة، وبصمة الرائحة يقصد بها مجموعة بيانات ومعلومات تفصيلية دقيقة، مفهرسة ومهيكلة بطريقة معينة، تجعلها توصف كل رائحة توصيفا كاملا، من حيث المواد التي تمثل مصدر الرائحة، والمواد التي تضمها الرائحة، وشدتها، وجودتها، إلي غير ذلك، وما أن تلتقط المستشعرات البيو كيمائية الروائح المحيطة بالجهاز، حتي تقوم تقنيات التعلم الآلي والبرمجيات المدمجة المضمنة في شريحة الجهاز، بتحليل وتفكيك مكونات الرائحة، وتحويلها الي بيانات مفهرسة على غرار ما هو موجود بمكتبة البصمات، ثم تقوم بمضاهاة بيانات الرائحة الملتقطة، ببيانات البصمات المسجلة في المكتبة، حتي يحدث تطابق بين الاثنين، فيصدر الجهاز تقريرا على شاشة صغيرة، يحدد نوع ومصدر ومواصفات الرائحة، وجودتها وخلافه، وتستغرق هذه العملية بكاملها عدة ثوان، ما بين التقاط الرائحة، وإعطاء النتيجة.
تطبيقات عملية
في حديثه خلال لقاء جمعه بالمستثمرين المشاركين في شركته والراغبين في الاستثمار بها، اشار جويلومي إلي أن شركته تمكنت من نقل أول جهاز لها إلي شركة “آي إف إف” الأمريكية العملاقة للعطور ومستحضرات التجميل نهاية 2019، وبدأت تلقي اهتماما متزايدا من مصنعي المواد الغذائية وشركات السيارات، وصانعي الأجهزة المنزلية، ففي مجال الأغدية والمشروبات، يستخدم الأنف الرقمي في المقاهي على وجه الخصوص، ليعمل جنبا الي جنب مع ماكينات صنع القهوة، لتحسين الرائحة والمذاق، وصولا للكوب المثالي، الذي يرضي عشاق القهوة المميزين أكثر من أي وقت مضى، مع دخولنا ما يسمى بالموجة الثالثة من القهوة، والتي تتمحور حول الجودة العالية، والاختلاف في ملفات التحميص و طرق تخمير جديدة ومبتكرة.
وفي صناعة السيارات سيعمل على اكتشاف تسرب الوقود، ومشاكل المحركات، بصورة مبكرة، بما يؤدي لتنفيذ صيانة وقائية أكثر فعالية، وأقل تكلفة، والأهم من ذلك حل المشكلات قبل أن تشكل تهديدًا خطيرًا للسائقين، أما مصنعو الأجهزة المنزلية وأدوات المطبخ، فهم من أكثر المجالات التي تحتاج إلي تقنيات “الشم الرقمي”، وفي هذا السياق، تتراوح التطبيقات من التحكم في تلف الطعام في الثلاجة، إلى تقييم جودة المكونات التي تستخدمها بالطهي.
وفي المجال الصحي، يمكن تحويل الأنف الرقمي إلي مكون من مكونات الساعات الذكية، ليصبح لدينا ساعات ذكية تدعم تقنية الشم الرقمي، ويمكنها تحديد بعض الأعراض المرضية والمشكلات الصحية من خلال عملية التنفس البسيطة عليها، ففي الصباح يمكنك النفخ في ساعتك لتخبرك انك شديد التوتر، أو ان مستوي السكر لديك لا يبدو جيدا، وعليك الاتصال بطبيبك.
بناء من الصفر
أضاف جويلومي أن شركته قامت ببناء مكتبة بصمات الروائح من الصفر، وتضم هذه البصمات رائحة السيارات الجديدة ودخان السجائر والتوت والقهوة والديزل، والاطعمة الفاسدة، والاطعمة الطازجة، والاطعمة المطهية توا، بل وحتي الروائح المختلفة التي تنبعث اثناء الطهو، وروائح العطور، ومستحضرات التجميل، وعرق الأجساد، والتنفس، وروائح الأسماك والحيوانات، والأدوية وغيرها، وبحسب قوله فإن الشركة اطلقت على الجهاز الذي انتجته ” نوز برو” وصنفته على أنه أنف رقمي، لكونه اصطلاح يجمع بين وظائف الأنف البشري العادية، والأدوات الرقمية التي تضمن أداء هذه الوظائف، وبالتالي فهو جهاز مستوحى جدا من الطبيعة بحسب قوله، ويقوم بمحاكاة تامة لما يحدث في أنفك، ويجعله يتم بحسب الأوامر المسجلة بالجهاز، ويتكرر بلا نهاية.