أنظمة وأدوات العمل عن بعد: نضج تقني وجفاف انساني

One guy portrait working from home sitting on the sofa
في زمن كورونا، حققت أنظمة التواصل والعمل عن بعد، وفي مقدمتها كل من مايكروسوفت تيم، وسيسكو ويبكس، وزووم، وسلاك وغيرهم، نجاحا باهرا في جعل آلاف الشركات والمؤسسات حول العالم تنجح في الجمع بين استمرارية العمل، وسلامة وتأمين الموظفين والعمال، من خلال العمل عن بعد، وتحقيق مستويات غير مسبوقة من التباعد الاجتماعي، لكن تقييم تجربة العمل عن بعد من خلال هذه الأنظمة بعد مرور اكثر من عام علي الوباء، يشير إلي أن التجربة لم تكن وردية علي طول الخط، ففي مقابل رفع الإنتاجية وضمان استمرارية العمل، أضعفت هذه النظم اللمسات البشرية المباشرة، كإلقاء التحية وتبادل النكات، ومشاركة تناول فنجان قهوة او شاي أو غداء مشترك، فانتشر الجفاف الإنساني، ما أثر بدوره علي روح الفريق فتراجع الإبداع، علي الرغم من زيادة الإنتاجية.
هذا ما خلصت إليه دراسة أجرتها مايكروسوفت على 9000 موظف ومدير في 15 دولة، بواقع 500 موظف ومائة مدير لكل دولة، بهدف رصد تأثير أنظمة العمل عن بعد، على بيئة الأعمال داخل المؤسسات والشركات.
رفعوا الإنتاجية وأضعفوا اللمسات الحية المباشرة فخفضوا الابداع
كسروا الملل في نموذج 9/5 مقابل فقد تبادل النكات والتحايا
نمط العمل الهجين  البديل الأفضل
دعوة للنمط الهجين
 واستنادا الي هذه النتائج، دعت مايكروسوفت الجميع إلي تبني نمط العمل الهجين، الذي يجمع بين العمل من المكتب ومقر العمل من جهة، والمنزل والمقهي والنادي من جهة أخري، حيث كشفت التحليلات التي أجريت خلال الدراسة أن الشركات التي حافظت على كل من الإنتاجية والابتكار خلال الانتقال إلى العمل عن بعد، هي التي طبقت أنماط عمل هجينة، جمعت بين العمل عن بعد، والعمل بموقع العمل، وتبين كذلك أن العمل الهجين وسيلة لتعزيز مشاركة الموظفين ، حيث قال أكثر من نصف من شملتهم الدراسة إنه سيكون وسيلة قوية للاحتفاظ بأفضل المواهب، وأن العمل الهجين سيمكنهم من اتخاذ القرارات والتعامل مع وظائفهم بالطريقة التي تناسبهم بشكل أفضل.
وأكدت مايكروسوفت أنه اجل تقديم أفضل دعم ممكن للموظفين ، من الضروري أن يتم تجهيز المديرين بالمهارات التي يحتاجون إليها في هذا العالم الهجين الجديد الذي ستلعب فيه أنظمة وتقنيات العمل من البعد دورا محوريا للغاية، ولذلك من الضروري ان تتطور تقنيات وأدوات العمل التعاوني، لتخدم المفهوم الهجين، وليس فقط العمل عن بعد، مؤكدة أن نجاح العمل الجماعي في عالم أكثر تهجينًا يتجاوز مجرد امتلاك أدوات التكنولوجيا المناسبة، ويتعدى ذلك لتوفير ما يغذي الابتكار عندما يشعر الناس بالقدرة على التواصل مع الزملاء.
وداعا للتاسعة والخامسة
من أبرز التغييرات الإيجابية التي أحدثتها تقنيات العمل عن بعد، أنها كسرت النموذج المعروف باسم ” 9/5″، أي حضور الموظفين والعمال في التاسعة صباحا، وانصرافهم من العمل في الخامسة مساءا، وهو النموذج المتجذر في بيئات العمل منذ بداية العصر الصناعي، لكن تقنيات العمل عن بعد كسرته، وأضفت شعورا بالتحرر من بعض الاعباء التي يفرضها، مثل التقيد بالملابس الرسمية، والرتابة والملل والتداعيات المترتبة علي التقيد بالذهاب في التاسعة والانصراف في الخامسة، وقد ساهم الشعور بالتحرر في حدوث القفزة نحو العمل من البعد المصحوبة بزيادة الإنتاجية، ففي العام الماضي، كان 15% فقد من الشركات لديها سياسة محددة للعمل عن بعد، وهذا الرقم اصبح الآن 76%، وقال 82٪ من مسئولي الشركات، رأوا أن مستويات الإنتاجية إما ثابتة أو تزداد مع تحول الأشخاص إلى العمل عن بُعد.
تراجع الابداع اخطر التداعيات
كان المفترض أن كسر نموذج 9/5 علي هذا النحو، سيعمل تلقائيا علي جعل بيئة العمل اكثر ابتكارية ومرونة، لكن ما حدث فعليا أن المشاركين في استطلاعات الرأي التي تضمنتها الدراسة أكدوا أن هذا لم يحدث، بل علي العكس، شكل العمل عن بعد ضغطا كبيرا على ثقافة الفريق، وعمق الإحساس بافتقاد الهدف لدي الموظفين، فأدى ذلك لتراجع الابداع في العمل بصورة ملحوظة، وأحد الأسباب المحتملة لذلك أن الموظفين يقولون إنهم يشعرون بأنهم بعيدون عن ثقافة الشركة ، وأقل ارتباطًا بالفرق وأقل تعاونًا، ولديهم إحساس بفقدان الهدف.
أشارت الدراسة إلي أن هده الأمور تكون مدفوعة عادة من خلال علاقات قوية ومتماسكة تحدث في مقار العمل، فعندما يجتمع الناس جسديًا خمسة أيام في الأسبوع ، يكون من السهل الارتباط، سواء كان ذلك مشاركة نكتة في مبرد المياه ، أو تناول غداء غير رسمي للفريق ، أو الاجتماع معًا للوفاء بالموعد النهائي. علاوة على ذلك ، وفي المكتب ، يتمتع كبار الموظفين حرفياً بالقدرة على “السير في القاعات” والتحدث مع الموظفين بطريقة غير رسمية. كل هذه الأشياء الصغيرة على ما يبدو تضيف تأثيرًا كبيرًا على صحة الأعمال وثقافة الفريق، ومن هنا يكون منطقيا حدوث انخفاض في الابتكار ، لأنه من الصعب أن تزدهر الأفكار الجديدة في بيئة يشعر فيها الناس بمزيد من الانفصال عن صاحب العمل وفرقهم.