ربما يسجل التاريخ فيما بعد أن عام 2021 شهد أول محاولة لوضع التخطيط والتصميم المبدئي لأول شبكة معلومات كمية في التاريخ، أو شبكة معلومات معتمدة على مبادئ الحوسبة الكمية، وليس الحوسبة التقليدية الحالية، وأول تقدير لقدرات هذه الشبكة أنها ستكون قابلة لأن تنقل البيانات بأحجام تفوق الاحجام الشائعة بالشبكات الحالية بعشرات الآلاف من الأضعاف ما تفعله، لأنها ستنقل البيانات عبر وحدات “الكيوبت”، بدلا من وحدات “البت” الحالية، والفارق هائل للغاية فيما بينها في طريقة النقل وسعته.
|
جاءت محاولة وضع تصميم أو مخطط لشبكة معلومات كمية، من قبل فريق بحثي بالمعهد الأمريكي للفيزياء، عمل لفترة على هذه المهمة، ثم نشر نتائجه في بحث بمجلة علوم الكوانتم الدولية، يمكن مطالعته كاملا هنا، ونشر المعهد ملخصا للبحث بقسم المنشورات بموقعه الرسمي، وأكد الفريق أن البحوث التي اجراها انتهت إلي أن إنشاء شبكة كمية أصبح أمرا قابلا للتطبيق عمليا.
المحاولة الثالثة
يذكر أن جهود فريق معهد الفيزياء الأمريكي، تعد الثالثة من نوعها التي يتم الإعلان عنها خلال العام الحالي، وإن اختلفت في طرق العمل والتفاصيل، ففي منتصف ابريل الماضي أعلن فريق من معهد تكنولوجيا الكم بهولندا، عن نجاحه فى ربط معالجين كميين معا عن بعد، عبر معالج ثالث يعمل كعقدة ربط وسيطة بين الإثنين، لتشكل الروابط بين المعالجات الثلاثة أو شبكة معلومات كمية في التاريخ، ووصف الفريق هذا الإنجاز بأنه خطوة تشبه ما حدث في مطلع ستينيات القرن الماضي ـ أي قبل اكثر من 60 عاماـ حينما نجح العلماء لأول مرة في ربط ثلاثة حاسبات تقليدية معا عبر شبكة عن بعد، ووضعوا بذلك أول حجر أساس للإنترنت التي نعرفها ونعايشها اليوم.
أما المحاولة الثانية فحققها فريق مختبر البحث والتطوير التابع لشركة توشيبا بكمبريدج ببريطانيا، وتمكن خلالها من نقل بيانات ومعلومات منتجة بالحوسبة الكمية عبر شبكة معلومات عاملة بالألياف الضوئية، تمتد على مسافة 600 كيلو متر، مما يمهد الطريق نحو إنشاء شبكات كمية واسعة النطاق يمكن استخدامها لتبادل المعلومات بشكل آمن بين المدن وحتي الدول.
تصور أولي حول بنية الشبكة
بحسب المعلومات الواردة في البحث الخاص بالمعهد الأمريكي للفيزاء، فإن الفريق تمكن فعليا من وضع تصور أولى حول بنية شبكة كمية واسعة النطاق، وتحديد بعض المكونات التي يمكن ان تتشكل منها هذه الشبكات، فالشبكات الكمية تشبه الشبكات الكلاسيكية من حيث طريقة التشغيل، حيث تنتقل المعلومات من خلالها ، وتوفر وسيلة اتصال بين الأجهزة وعبر المسافات، والاختلاف الجوهري بينهما أن الشبكات الكمية تنقل البيانات بطريقة كمية، قائمة على “الكيوبتات”، أما الشبكات الحالية فتنقل المعلومات بطريقة كلاسيكية قائمة على تداول “البتات”.
فكرة الكيوبتات قائمة على إن المكونات الإلكترونية حينما يصغر حجمها وتصل إلى المقاييس المجهرية، يمكن أن توجد في حالات أو وضعيات متعددة في الوقت نفسه، فلو تصورنا أن هذه الجسيمات الدقيقة مثل المصباح، فالمعتاد أنها تكون في وضعية واحدة من اثنتين، إما الإضاءة أو عدم الإضاءة، لكن في حالة هذه الجسيمات أو المكونات الالكترونية يمكن ان تكون في ثلاث حالات، إما الإضاءة، أو عدم الإضاءة، أو الإضاءة وعدم الإضاءة معا في آن واحد، وهي ظاهرة فيزيائية يطلق عليها “التراكب الكمي”، ومعناها باختصار أنه يمكن ربط جسيمين دقيقين بالغي الضآلة، للتعرف على حالة أحدهما من خلال ملاحظة حالة الآخر، وإن كان على مسافة بعيدة، ما يعني عمليا أن الجسيمات يمكن أن توجد في حالات متعددة في الوقت نفسه، أي أن الشبكات العاملة بالكيوبتات تنقل البيانات بصورة متزامنة.
|
أما “البتات” فهي تعني وحدة البيانات الصغيرة التي تكون في وضعية واحدة، إما تعبر عن الصفر أو الواحد، أي أن هذه الشبكات، تقوم بنقل البيانات بصورة متتالية العمليات الحسابية ومعالجة البيانات بطريقة العملية تلو الأخرى، في صورة متتالية.
ووجود النقل المتتالي بالبت في الشبكات التالية، والنقل المتزامن بالكيوبت في الشبكات الكمية، يعني أن الكم المنقول في حالة الكيوبتات يفوق المنقول بالبتات بعشرات الآلاف من الأضعاف في الثانية الواحدة، وهو ما يجعل عالم الشبكات يدخل منعطفا تاريخيا غير مسبوق، على غرار ما سيحدث في عالم الحاسبات الكمية، التي تنفذ في 200 ثانية، ما يمكن تنفيذه في عشرة آلاف سنة بأقوى الحاسبات الكلاسيكية واسرعها على وجه الأرض حاليا.
ووفقا للعلماء فإن مجرد وضع تصور أولى لشبكة معلومات كمية، موضحا به مكونات البناء والتخطيط العام، وكيفية الارسال والاستقبال يعد أمرا مهما للغاية، ويجعل الشبكات الكمية أمرا مستقبليا قابلا للتحقق بدرجة كبيرة.
التحديات القائمة
|