شهد شهر أغسطس الجاري الإعلان عن ثلاثة تطورات مهمة في مجال الحوسبة الكمية تمهد الطريق نحو مزيد من النضج والتحسين في هذا النوع من الحوسبة المستقبلية الواعدة، التي يتوقع أن تقود صناعة تقنية المعلومات وتطبيقاتها المختلفة الي ثورة هائلة خلال السنوات المقبلة، حيث أعلن فريق من العلماء أن الشاشات الأجهزة القابلة للارتداء، على وشك أن تشهد موجة انتشار هائلة للأجزاء والمكونات المصنوعة من اشباه الموصلات الجديدة المعروفة باسم “النقط الكمية الغروية”، وهي احدي المواد المستخدمة في الحوسبة الكمية، فيما أعلن فريق بحثي آخر أنه تمكن من تشغيل احدى الخوارزميات المستخدمة مع الحاسبات الكمية على الحاسبات التقليدية، واكد فريق ثالث أنه استطاع استحداث نوع جديد من “الكيوبت” أو أصغر وحدة مستخدمة في تخزين واسترجاع وقياس البيانات والمعلومات في الحوسبة الكمية، ويفتح النوع الجديد المجال أمام الوصول مستقبلا الي حل الكثير من المشكلات المعقدة التي تعترض طريق الحاسبات الكمية وتصنيعها على المستوي التطبيقي التجاري ومن أهمها المشكلات المتعلقة بالأخطاء المصاحبة لمعالجة البيانات وتنفيذ المهام المطلوبة من الحاسب.
الحاسبات الكمية
|
يذكر أن الحوسبة الكمية تقوم على نظرية مخالفة للنظرية المطبقة بالحاسبات الحالية، التي تتعامل مع المعلومات في صورة وحدات تعرف بالـ”بت”، تعبر عن الصفر أو الواحد، أما الحاسبات الكمية فتتعامل مع المعلومات في صورة وحدات تعرف بالـ”كيوبت” التي تعبر عن الصفر والواحد، مضافا إليهما حالة او حالات تراكبية كمية من كليهما معا، وهذا يعني أنه عند القيام بعملية معينة، تضطر الحاسبات الحالية إلى البحث خلال كل الحلول الممكنة واحدا تلو الآخر، أما الحاسبات الكمية فتعمل كما لو كانت تفكر في كل الإجابات الممكنة معا، مما يجعلها أسرع مئات وربما آلاف المرات، فعلى سبيل المثال فإن واحدا من الحاسبات فائقة الأداء التي تعد الاسرع على وجه الأرض الآن تحتاج الى مليار (الف مليون) سنة لتتمكن من كسر شفرة الكترونية مكونة من 400 عدد فقط. أما الحاسب الكمي فيحتاج الى سنة واحدة فقط لتكسيرها.
النقاط الكمية الغروية
انجز التطور الأول فريق من العلماء بمعهد لوس آلاموس الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، وظهر ملخص لتفاصيله في تقرير بقسم الاكتشافات بموقع المعهد، ونشرت الورقة البحثية الكاملة الخاصة به بمجلة العلوم الامريكية، ويلقي البحث الضوء على نتائج ما يقرب من ثلاثة عقود من البحث في مجال اشباه الموصلات المصنوعة من النقط الكمية الغروية، وهي اشباه موصلات بحجم النانو متر، مصنعة بمفاهيم فيزياء الكم، على هيئة سائل غروي، أي مخلوط غير متجانس من مادتين أو أكثر، لا يحدث بينها اتحاد كيميائي، وصنعت لتقدم خواص وإمكانات جديدة كبرى في أجهزة الحاسبات والتليفزيونات والأجهزة المحمولة والقابلة للارتداء، خاصة فيما يتعلق بالشاشات وتقنيات الصمامات الثنائية الباعثة للضوء “الليد”.
|
وقال الدكتور فيكتور آي كليموف ، المؤلف المشارك للورقة ورئيس فريق أبحاث النقط الكمية في معامل معهد لوس ألاموس الوطني أنه بعد ثلاثة عقود من الأبحاث، تم التوصل الي اشباه موصلات قائمة على النقط الكمية، تتيح خواص جذابة للغاية في مجال شاشات العرض والإضاءة، تسمح بتحسين نقاء اللون وتغطية أكثر اكتمالاً لمساحة اللون بأكملها مقارنة بمواد الفوسفور الموجودة.
كشف الفريق أيضا عن أنه تم ادخال تقنية النقط الكمية الي مجال اشعة الليزر، وهو أمر من شأنه أن يفيد مجموعة من التقنيات، بما في ذلك الدوائر الضوئية المتكاملة ، والاتصالات الضوئية ، ومنصات المختبر على رقاقة ، والأجهزة القابلة للارتداء ، والتشخيصات الطبية.
تشغيل برنامج كمي على جهاز كلاسيكي
التطور الثاني انجزه فريق من الباحثين بمعهد ايكول بولي تكنيك، ونشر المعهد موجزا له بقسم الاخبار في موقعه الرسمي، فيما نشرت ورقته البحثية الكاملة بقسم “معلوماتية الكم” بمجلة نيتشر العلمية الدولية، وذكر فيه الباحثان جوزبي كارليو وماتيجا ميدفيدوفي أنهما وجدا وسيلة يمكن من خلالها تشغيل بعض خوارزميات الحوسبة الكمية المعقدة على الحاسبات التقليدية الحالية، مما يجعل بالإمكان تنفيذ العديد من المهام على الحاسبات التقليدية بكفاءة وسرعة تقترب من المستويات المتوقعة في الحاسبات الكمية.
وقال الباحثان أن الطريقة التي توصلا إليها تعرف باسم ” خوارزمية التحسين التقريبي الكمي”، واطلقا عليها اختصارا ” كيو أية او أية”، وهي في الأساس طريقة لاختيار افضل حل لمشكلة ما من بين مجموعة من الحلول الممكنة..
|