“مغناطيسات فائقة النحافة ثنائية الابعاد تكتب عمرا جديدا لوحدات تخزين “اتش دي دي

مغناطيسات
فيما تشير كل التوقعات السائدة في مجال وحدات تخزين البيانات إلي تراجع كبير لوحدات التخزين التقليدية المغناطيسية من فئة “اتش دي دي” أو هارد ديسك درايف، أمام وحدات التخزين الالكترونية من فئة “إس إس دي” أو محركات الحالة الصلبة، أعلن فريق من العلماء هذا الأسبوع عن تطور جديد تماما، يمكن أن يوقف هذا التراجع، ويكتب عمرا جديدا لوحدات اتش دي دي، يقطع رحلتها المحتومة نحو الاندثار، وتمثل هذا التطور في ابتكار ما يعرف “بالمغناطيس فائق النحافة ثنائي الابعاد” القادر علي العمل في درجة حرارة الغرفة، أو حتي مئة درجة مئوية، ما يعنى إمكانية تصنيع وحدات تخزين بكثافات عالية، ربما تعادل عشرات أضعاف كثافات التخزين الحالية، ومن ثم تصبح سعة التخزين التي تقاس بالتيرا بايت هي الامر الاعتيادي الرخيص السعر في عالم التخزين، بدلا من الجيجا بايت كما هو السائد حاليا.
تصنع من  أكسيد الجرافين والزنك والكوبالت وسمكها يعادل سمك ذرة واحدة
انجز هذا التطور الجديد فريق مشترك من الباحثين والعلماء بكل من معامل بحوث بيركلي التابعة لوزارة الطاقة الامريكية، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجامعة كاليفورنيا ريفرسايد ومركز المواد النانوية المتقدمة بمعامل ارجون الوطنية الامريكية للبحوث، وجامعة نانجينغ وجامعة العلوم والتكنولوجيا الالكترونية في الصين، وتم تمويله من قبل مكتب العلوم التابع لوزارة الطاقة الامريكية وشركة انتل وجامعة بيركلي، ونشر ملخص النتائج الخاصة به بغرفة أخبار موقع معامل بيركلي للبحوث، ونشرت الورقة البحثية الكاملة للمشروع البحثي بمجلة نيتشر الدولية للاتصالات، ويمكن مطالعتها كاملة هنا.
وقال الدكتور جي ياو رئيس الفريق والأستاذ بقسم علوم المواد في مختبر بيركلي والأستاذ المشارك لعلوم وهندسة المواد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي أن فريقه يعد أول من صنع مغناطيسًا ثنائي الأبعاد، فائق النحافة، يعمل فى درجة حرارة الغرفة، ويكون مستقرًا كيميائيًا في ظل الظروف المحيطة، ما يعني إمكانية استخدامه في الوصول الي أجيال جديدة من المواد والتطبيقات الجديدة في مجال الحاسبات والالكترونيات، وأولها انتاج وحدات تخزين عالية الكثافة ودقيقة الحجم، وذات سعة تستوعب وتخزن كمية ضخمة من البيانات، ربما تفوق السعة الحالية بعشرات الاضعاف، فضلا عن تطوير أدوات جديدة لدراسة فيزياء الكم.
أغشية ذرية ثنائية الابعاد
تعمل في درجة حرارة الغرفة وتتحمل العمل حتي 100 درجة مئوية
شرح الباحثون التطور الجديد بقولهم إن المكون المغناطيسي لوحدات التخزين ووحدات الذاكرة الحالية المستخدمة مع الحاسبات والأجهزة الالكترونية يتكون عادة من أغشية مغناطيسية رقيقة، لكن على المستوى الذري، لا تزال هذه الأغشية المغناطيسية ثلاثية الأبعاد، وتضم مئات أو آلاف من الذرات سميكة، وعلى مدى عقود، حاول الباحثون الوصول إلى طرق لصنع مغناطيس ثنائي الأبعاد أرق وأصغر، وبالتالي تمكين تخزين البيانات بكثافة أعلى بكثير، تعادل عشرات الأضعاف وربما أكثر، وقد حققت الإنجازات السابقة في مجال المواد المغناطيسية ثنائية الأبعاد نتائج واعدة، لكنها انتهت الي مغناطيسات ثنائية الابعاد غير مستقرة، تفقد قدرتها على الجذب في درجة حرارة الغرفة، ومن ثم كانت تحتاج إلى درجات حرارة منخفضة جدا لكي تعمل.
هذا الأمر لا يناسب ظروف العمل السائدة في مراكز البيانات والحاسبات والأجهزة الالكترونية المختلفة، التي عادة ما تعمل في أجواء درجة الحرارة السائدة في الغرفة أو مكان الاستخدام، فضلا عن تلامسها مع الحرارة المتولدة عن مكونات الحاسب أو الجهاز الأخرى المولدة لقدر من الحرارة اثناء التشغيل، مثل المعالج وبطاقات الرسوميات وغيرها.
إضافة الفريق
واصل الباحثون توضيح نتائجهم بالقول إن الإضافة التي قدمها الفريق تتمثل في تحقيق هدفين، الأول هو الوصول الي مغناطسي فائق النحافة وثنائي الابعاد على المستوى الذري، أي جعله يضم ذرات نحيفة أو بالغة النحافة ثنائية الابعاد، والثاني هو جعل المغناطيس قادر علي العمل في درجة حرارة الغرفة، بل وتحمل درجات الحرارة حتي درجة 100 درجة مئوية، وإنجاز الهدفين يؤكد إمكانية تصنيع مغناطيس فائق النحافة وبالغ الصغر، والثابت نظريا أنه  كلما كان المغناطيس أصغر، زادت كثافة البيانات المحتملة لوسيط أو قرص التخزين، وعليه فإن المغناطيس الجديد يمهد الطريق نحو جيل جديد من وحدات التخزين المغناطيسية ذو سعة كبيرة للغاية مقارنة بما هو قائم اليوم، وأضاف الباحثون إن تحقيقهم للهدفين يعني أيضا فرصا جديدة لدراسة فيزياء الكم، لكونه يفتح كل ذرة على حدة للفحص، مما قد يكشف عن كيفية تحكم فيزياء الكم لكل ذرة مغناطيسية مفردة والتفاعلات بينها، وهو أم لم يكن متاحا مع مغناطيس الكتلة التقليدي الذي تكون فيه معظم الذرات المغناطيسية مدفونة بعمق داخل المادة، ومن ثم تعوق اجراء دراسات الكم، وفى حالة المغناطيس ثنائي الابعاد ستكون مثل هذه الدراسات ممكنة وصحيحة تمامًا.
مواد التصنيع
سعة ضخمة تجعل التيرابايت وحدة القياس الرخيصة بدلا الجيجا بايت
قام الباحثون بتصنيع المغناطيس فائق النحافة الثنائي الابعاد الجديد من محلول من أكسيد الجرافين والزنك والكوبالت، بعد وضعه  لبضع ساعات في فرن معمل تقليدي، من أجل تحويل الخليط إلى طبقة ذرية واحدة من أكسيد الزنك مع القليل من ذرات الكوبالت المحصورة بين طبقات من الجرافين، ثم يتم في النهاية حرق الجرافين، تاركًا وراءه طبقة ذرية واحدة من أكسيد الزنك المشبع بالكوبالت.
للتأكد من أن الفيلم ثنائي الأبعاد الناتج يبلغ سمكه ذرة واحدة فقط، أجرى ياو وفريقه تجارب المسح المجهري الإلكتروني في مسبك الجزيئات في مختبر بيركلي لتحديد شكل المادة، والتصوير المجهري الإلكتروني لسبر ذرة المادة عن طريق الذرة، وأثبتت التجارب وجود الهياكل الإلكترونية والبلورية للمغناطيسات المركبة ثنائية الأبعاد، كما صور الباحثون التركيب البلوري للمادة ثنائية الأبعاد وتركيبها الكيميائي باستخدام المجهر الإلكتروني، وبشكل عام، أظهرت التجارب المعملية لفريق البحث أن نظام أكسيد الجرافين والزنك يصبح مغناطيسيًا ضعيفًا بتركيز 5-6٪ من ذرات الكوبالت، وتؤدي زيادة تركيز ذرات الكوبالت إلى حوالي 12٪ إلى وجود مغناطيس قوي جدًا.
ومما أدهش الباحثين أن تركيز ذرات الكوبالت الذي يتجاوز 15٪ يحول المغناطيس ثنائي الأبعاد إلى حالة كمية غريبة، حيث تتنافس الحالات المغناطيسية المختلفة داخل النظام ثنائي الأبعاد مع بعضها البعض.
وعلى عكس المغناطيسات ثنائية الأبعاد السابقة، التي تفقد مغناطيسيتها في درجة حرارة الغرفة أو أعلى، وجد الباحثون أن المغناطيس ثنائي الأبعاد الجديد لا يعمل فقط في درجة حرارة الغرفة ولكن أيضًا عند 100 درجة مئوية، وقال الباحثون أن النظام المغناطيسي ثنائي الأبعاد الذي تم التوصل اليه يظهر آلية متميزة مقارنة بالمغناطيسات ثنائية الأبعاد السابقة، وتعود الآلية الفريدة إلى الإلكترونات الحرة في أكسيد الزنك.
وفى هذه النقطة، قال الدكتور جي ياو رئيس الفريق إنه مع المواد المستخدمة في البحث، لا توجد عقبات كبيرة أمام الصناعة لتبني أسلوبنا القائم  على فكرة ثنائية الابعاد، ومن المحتمل أن تكون قابلة للتطوير للإنتاج بالجملة بتكاليف أقل.