مع خدمة “ناس”: احصل على شبكة معلومات جاهزة للتشغيل في ساعات

شبكة
حتى الآن لا يزال مفهوم شبكة المعلومات يعني مجموعة من الأجهزة منتشرة هنا وهناك ومرتبطة ببعضها البعض عبر المحولات والموجهات وكابلات الربط ونظم تشغيل وبرمجيات وأدوات وتقنيات الحماية المخصصة للشبكات، فضلا عن ميزانيات وفنيين ومهندسين ينشئون هذا البناء بأكمله في أسابيع أو شهور، لكن مع خدمة “ناس NaaS ” أو الشبكة كخدمة Network as a Service ، يتغير كل ذلك لتصبح الشبكة قائمة وقيد التشغيل خلال ساعات عبر قائمة خيارات بسيطة، مقابلة اشتراك شهري، فما هي خدمة “ناس” التي بدأت تحدث هذا الانقلاب؟
المفهوم
وفقا لورقة تقنية مطولة نشرها موقع ” نيتورك ورلد“، فإن المقصود بخدمة ناس هو أن تقوم شركة تقنية معلومات واتصالات متخصصة في مجال الشبكات، بتوفير أجهزة الشبكة من حاسبات ومحولات وموجهات بيانات وأدوات ربط محلية وخطوط اتصال خارجية، ونظم تشغيل وتراخيص متكاملة، وذلك كله في حزمة واحدة، وتقديمها لعملائها من الشركات والمؤسسات، مقابل اشتراك شهري، لتعمل بالكامل داخل مقر الشركة او المؤسسة، أو يكون جزء منها بمقر الشركة، والجزء الآخر يتم تقديمه بصورة افتراضية السحابة الخاصة بشركة تقنية المعلومات، ويتحدد حجم الجزء الموجود بالمقر والآخر القائم بالسحابة، حسب طبيعة بيئة العمل وطلب الزبون.
وهناك تعريفات وشروحات كتبها كثيرون حول مفهوم خدمة ناس، فعلي سبيل المثال كتب براندون بتلر كبير المحللين في مؤسسة أي دي سي الدولية للبحوث والاستشارات في تقنية المعلومات أن نماذج خدمة ناس تشمل أجهزة وبرامج وتراخيص وخدمات دعم متكاملة يتم تقديمها في شكل مرن للاستهلاك أو عرض قائم على الاشتراك.
وأوضح نيل أندرسون مدير أول بشركة “ورلد وايد تكنولوجي” مزود خدمات التقنية وسلسلة التوريد أن ناس تعني أنه بدلاً من شراء معدات الشبكة وتثبيتها وتشغيلها ، يمتلك مزود الشبكة كخدمة المعدات ويثبتها ويشغلها ، وتدفع المؤسسات اشتراكًا شهريًا لخدمات الشبكة، وبحسب قوله فإن هناك درجات مختلفة من خدمة ناس، فهناك خدمة أجهزة الاشتراك التي يتم فيها دفع اشتراك شهري مقابل الأجهزة بدلا من شرائها، ويقوم العميل بتثبيتها وتشغيلها، وهناك خدمة الناس القائمة على الخدمات المدراة، أي الحصول على الأجهزة مقابل الاشتراك بالإضافة إلى خدمات التشغيل والصيانة، وهناك خدمة ناس الكاملة، التي يقوم فيها المزود بتوفير وتثبيت وتشغيل جميع المعدات، وما بها من برمجيات وأدوات.
من جانب آخر، يقول جاي جيل ، كبير المديرين ، المنتجات والحلول ، بشركة “بلوريبس نيت ورك” إن إنشاء أي شبكة افتراضية مستخرجة من البنية التحتية للشبكة الأساسية ويتم توفيرها من قبل كيان إلى آخر ، حتى داخل شركة واحدة ، يمكن اعتباره ناس، على أساس أن ناس هو التمثيل الافتراضي للشبكة، الذي يسمح ببناء الشبكات التي يراها المستخدم ليتم تجريدها أو فصلها عن أجهزة الشبكة المادية والمعدات التي تدعمها.
أبعاد ودلالات المفهوم
وفقا لهذا التعريف، والشروحات المرتبطة به من قبل الخبراء، فإن الشركة أو المؤسسة الراغبة في الحصول على شبكة معلومات كاملة كخدمة “ناس” تلبي احتياجات اعمالها، لن يكون عليها شراء حاسبات او معدات شبكات أو خطوط ربط، أو توفير مهندسين وفنيين للتشغيل والصيانة والتأمين، ولكن فقط دفع اشتراك شهري ثم الحصول على كل شيء بصورة جاهزة، ولن يكون عليها في هذا الصدد تحمل اية أعباء تتعلق بما إذا كانت الشبكة ستعمل بكاملها داخل مقارها، أو جزء منها بالمقر والآخر كخدمات سحابية افتراضية، بل يعينها فقط أن يكون لها شبكة معلومات تضمن أداء أعمالها كاملة، طوال الوقت بالجودة والكفاءة والسرعة المناسبة.
ويفهم من هذا التعريف أيضا، أن خدمة ناس ليست نمطا موحدا واحدا، وإنما تقدم في أشكال وأنماط متنوعة، يتم بناؤها حسب حالة كل عميل على حدة، والامر المشترك فيها أن كل ما توفره من قدرات أو موارد، يقدم كخدمة كاملة مدارة مقابل اشتراك سنوي او شهرى، بعيدا عن نموذج البيع المباشر والامتلاك، او التأجير دون الإدارة والتشغيل كم هو معتاد.
عروض ناس وتطبيقاتها
من العروض الفعلية المتاحة حاليا لخدمات ناس، عرض تقدمه شركة سيسكو أكبر شركة مصنعة لمعدات بناء الشبكات، يطلق عليه اسم ” سيسكو بلس”، تقول عنه أنه يمكن أن يوفر خدمات لا تعد ولا تحصي تحت مفهوم ناس، لكن الشكل الأبرز منه حاليا يتكون من مركز البيانات الخاصة والشبكات والتخزين وبرامج الطرف الثالث، وجميعها مكونات يتم السيطرة عليها وإدارتها من خلال حزمة “انتر سايت” السحابية من سيسكو، فباستخدام واجهات برمجة التطبيقات ” اية بي آي” يمكن للعملاء اختيار مستوى الخدمات لاتي يريدونها لتخطيط وتصميم وتركيب الشبكة، ومن خلال خدمة “سيسكو بلس للحوسبة السحابية الهجين، سيكون تسليم الطلبات في غضون 14 يوما، وهذا العرض بدأ توفيره مطلع يوليو الجاري.
وهناك خدمة ناس أخرى تقدمها شركة “ميترو ايثرنت”، في عروض تحمل اسم “إل 2 في بي إن” و” إل 3 في بي إن”، توفر خدمات اتصال افتراضية تلخص مكونات وقدرات شبكة المعلومات المادية الأساسية، والبعض منها يوفر خدمات التأمين والجدران النارية وبوابات الوصول عن بعد.
والقيمة الأساسية التي تحملها هذه العروض وغيرها من العروض المشابهة هي تبسيط الاتصال بموفري الخدمات السحابية العامة ومقدمي الخدمات الآخرين في نقاط الاتصال الرئيسية ونقاط التبادل عبر الإنترنت، وبعض هذه العروض يتضمن الاشتراك فترة واحدة أو ثلاث أو خمس سنوات ، ويمكن للمنظمات إما الدفع مقدمًا أو من خلال الفواتير السنوية أو الشهرية، ويتم تحديد التسعير من خلال عوامل تشمل عدد المستخدمين ، وعدد الأقدام المربعة وعرض النطاق الترددي المستخدم ، أو كل ما سبق”.
حالات الاستخدام
لم تعد الشبكات تتعلق فقط بربط الأشياء داخل الشبكات الخاصة ، لأن هناك عالمًا من الربط الشبكي وبين السحاب لتفسيره، وعلى سبيل المثال ، باستخدام الشبكات واسعة النطاق “وان” الخاصة ، يتم عادة ربط مواقع فرعية بمواقع أخرى مثل مركز بيانات خاص عبر الشبكة، والآن ، هناك احتياج إلى ربط المواقع بالخدمات السحابية ، وقد يتم ذلك مع خدمات الإنترنت العامة، و هناك العديد من حالات استخدام ناس ، مثل مكتب فرعي كامل أو متجر كخدمة يتضمن شبكة ودوائر “وان” وشبكة لاسلكية وما إلى ذلك مقابل رسوم شهرية واحدة، ومن خلال شبكة تسليم المفتاح كأداة مساعدة ، يقوم الموفر بتصميم سعة لمبنى وشراء وتثبيت وتشغيل جميع المعدات مقابل رسوم اشتراك شهرية واحدة. قال أندرسون إن هذه يمكن أن تشمل خدمات أخرى مثل الأمن والتعاون المجمعة معًا كخدمة لفاتورة واحدة أو اشتراك.
وتعمل خدمة ناس أيضًا على تحسين دورات التحديث لأن الترقيات تحدث بسلاسة عندما يكون هناك وقت تعطل أقل مجدولة وتحسن الأداء بسبب المعدات الأحدث ومستويات الخدمة المحسنة، وتقلل ناس من حجم البنية التحتية القديمة وغير الملائمة داخل البيئة بسبب المراقبة المستمرة لمقاييس الأداء لجميع أصول تكنولوجيا المعلومات داخل البيئة، وبحسب الخبراء فإن أفضل ما يناسب التبني الآن هو مواقع التأسيس ، والمواقع المؤقتة ، والمكاتب الفرعية الصغيرة، ويمكن أن تكون عروض ناس جذابة أيضًا للعاملين عن بُعد في الشبكة والعاملين في المنزل والمتنقل الذين يحتاجون إلى أداء تطبيق آمن وموثوق.
التحديات والصعوبات
يعتبر الجانب الأمني هو أحد اكبر التحديات الرئيسية أمام خدمة ناس، فالعديد من المنظمات تحب أن تتحكم في مصيرها فيما يتعلق بالأمن والامتثال، وفي حالة ناس سيكون قدرا كبيرا من التحكم الأمني في يد مزود الخدمة، وهو ما يمكن أن يمثل مشكلة كبيرة، إذ كيف سيظل العميل قادرًا على إجراء فحص حركة المرور ، أو أن يكون قادرًا على تغذية أدوات تحليلات الأمان وما إلى ذلك، ومن المسؤول عن الانتهاك وكيف سيتم معالجته، وغير ذلك من القضايا الأمنية، وهناك مخاوف أخرى ، مثل القدرة على تخصيص الخدمة لاحتياجات محددة للغاية.
وهذا يعني أن اتفاقيات مستوى الخدمة أصبحت بالغة الأهمية وتحتاج إلى معالجة المقاييس المهمة بما في ذلك:
ـ ما هي المقاييس الرئيسية للنجاح والمتطلبات، أي معدل نقل البيانات لكل مستخدم ، ووقت التشغيل ، وأداء التطبيق ، وما إلى ذلك.
ـ ما هو مستوى الخدمة أو وقت التشغيل المضمون؟
ـ كم مرة سيتم تحديث المعدات وتحديثها بأحدث التقنيات؟
ـ ما هي الأدوات التي سيستخدمها مزود الخدمة ناس لقياس وإدارة القدرات والأداء بشكل استباقي؟
ـ ما هي تكاليف وسياسات الإضافة والتغيير؟ على سبيل المثال ، إذا أعاد العميل تكوين المبنى الخاص به واحتاج إلى إضافة المزيد من الموظفين ، فكيف يتم التعامل مع المعدات والقدرات الإضافية؟ وبالمثل ، كيف تم التعامل مع هذا من أجل تخفيض عدد الموظفين؟
وبالنسبة للمؤسسات المتوسطة إلى الكبيرة التي لديها استثمارات كبيرة في البنية التحتية لأمن الشبكات القائمة عن بُعد والفروع والمقر الرئيس ومركز البيانات ، فإن الترحيل إلى ناس سيكون صعبًا ويستغرق وقتًا طويلاً. متعدد البائعين سوف تزيد الحواف من تعقيد الأمر. نظرًا لأن ناس يتم تمكينها من خلال خدمات الإنترنت السريعة وذات زمن الوصول المنخفض ، فإن أي انقطاع في اتصال “وان” قد يؤدي إلى تدهور أو تعطيل عمليات شبكة المؤسسة بشكل خطير، ونظرًا لأن الخدمة جديدة نسبيًا ، لا يزال تسعير ناس غير مؤكد ، لذلك قد يجد قادة الأعمال أن التكاليف التشغيلية السنوية قد تكون أكثر مما حددته في الميزانية.
المستقبل
من الواضح أن انتقال عملاء المؤسسات إلى الخدمات السحابية هو المحرك الأساسي لخدمة ناس. وبينما تقوم صناعة الشبكات الآن فقط بفرز كيفية ربط عالم السحابة بالشبكات بشكل فعال ، يمكن أن تلعب ناس دورًا كبيرًا في المستقبل، فالشبكات يجب أن تكون افتراضية وآلية لتمكين العمليات بسرعة السحابة.
 ولأن السؤال الكبير هو : ما هي الخدمات ونماذج الأعمال التي ستسود. مع بقاء معظم التطبيقات في بيئات سحابية خاصة ، قد يكون السحابة الخاصة ناس هي الأكثر أهمية، ويتوقع أيضا أن تظهر سوق رئيسية أخرى من عروض ناس التي تبسط استخدام العديد من السحب العامة، فقد اعتادت المؤسسات والشركات على بناء شبكات داخل المقار، بتجميع هائل للعودة إلى شبكة أساسية، ثم إلى مركز البيانات الخاص بها حيث يتم تشغيل أعباء عمل التطبيقات، لكن في المستقبل ، إذا كانت معظم حركة المرور متجهة إلى البرمجيات كخدمة والحوسبة السحابية، فلن تكون هناك حاجة إلي الشبكات الأساسية كما هي الآن، وسيقتصر الأمر على أن يكون كل مبنى من مبانيها “نقطة ساخنة” موثوقة للغاية مع وصول عالي السرعة للإنترنت، ولذلك يتوقع أن تعيد المؤسسات التفكير في بنيتها المعمارية، وتجعل من السهل تبني خدمة ناس.
وفي هذا السياق تقول دراسات شركة أي دي سي البحثية أن الشركات بدأت في تبني الحوسبة السحابية ونموذجها للقدرة القائمة على الاستهلاك، وفي مساحة البنية التحتية ، على سبيل المثال ، سيتم استهلاك أكثر من 75٪ من البنية التحتية في المواقع المتطورة وما يصل إلى 50٪ من البنية التحتية لمركز البيانات في نموذج كخدمة بحلول عام 2024 ، وترى شركة فورستر البحثية إن المشهد التكنولوجي المتطور يقود الحاجة إلى نماذج استهلاك أكثر مرونة، وقد أدى الوباء أيضًا إلى تسريع اعتماد العروض كخدمة ، ومنها عروض خدمة ناس، بعدما فرضت أحداث عام 2020 ووباء كورونا تغيير خطط وأولويات تكنولوجيا المعلومات، وبدأ 64% من قادة تكنولوجيا المعلومات في تسريع هذا التحول من إنفاق تكنولوجيا المعلومات من النفقات الرأسمالية إلى العمليات التشغيلية والنظر في نماذج الاستهلاك المرنة مثل كخدمة للمستقبل، وجميع هذه المؤشرات تدعم التحول الي خدمة ناس وغيرها من الخدمات الأخرى مستقبلا.