المعتاد أن يتم اخضاع المنتجات والقطع الصناعية المختلفة بعد الإنتاج للمراجعة والتقييم والتحليل والفحص الدقيق، للوقوف علي خواصها ومدي جودتها، وفي أحسن الأحوال يتم مراقبة وضبط عمليات وخطوات الإنتاج، لكن فريق من العلماء تمكن أخيرا من الوصول إلى نظام جديد قائم علي تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويعمل في خطوط الإنتاج والتصنيع التي تطبع القطع والمكونات المختلفة طباعة رقمية ثلاثية الابعاد، وليست عبر خطوط الإنتاج التقليدية، يستطيع القيام بمهام التقييم الدقيق والعميق للمنتجات وخواصها وقدراتها بدقة كبيرة قبل تصنيعها وانتاجها، وذلك عبر نظم تعلم عميق وذكاء اصطناعي وشبكات عصبية، تقوم بعملية تكوين كاملة للمنتج أو القطعة المصنوعة، ثم تفحص جودة المنتج قبل الإنتاج، بدرجة أشمل وادق وأعمق عشرات المرات مما يتم القيام به بعد الإنتاج، مما ينبئ بانقلاب كبير فى مفهوم الجودة مستقبلا لتتم أعمال الجودة قبل الإنتاج لا بعده، وتوقيت يقاس بالمايكرو ثانية، تتبعه طباعة رقمية في بضع دقائق.
|
ينطوي النظام الجديد علي تعقيد هائل للغاية، وقدر من حزم البيانات التي تسمح بتحليل وتتبع سلوك المعادن المطلوب تصنيعها، في ظروف التشغيل المختلفة، وتأثير ذلك علي جودة القطعة المصنوعة، وبسبب الغزارة الفائقة وغير المعهودة في البيانات المطلوب استخدامها وتحليلها، والتي تحتاج إلي إمكانات جبارة في الحوسبة ومعالجة البيانات بسرعة فائقة، تمت الاستعانة باثنين من الحاسبات الفائقة “السوبر كمبيوتر” من اجل تطوير النظام، والحاسبان هما ” فرونتيرا” المصنف رقم 10 في قائمة أقوى وأسرع الحاسبات علي وجه الأرض، والحاسب “ستامبيد 2” المصنف رقم 32 بالقائمة ذاتها، أما الفريق البحثي الذي طور هذا النظام الثوري في التصنيع فينتمي إلي كل من جامعة إلينوي، بالإضافة إلي مهندسين من شركة أبل، وظهرت تفاصيله علي موقع مركز تكساس للحاسبات المتقدمة، الذي يضم بداخله الحاسبين العملاقين فرونتيرا وستامبيد 2.
المضافات الصناعية
ضم فريق العلماء الذين عملوا في هذا البحث الدكتوران كيومنج تشو وجينهيوي يان من جامعة إلينوي، وزيليانج ليو مهنس البرمجيات في ابل، وبحسب مقتطفات نقلها موقع المركز عن الورقة البحثية التي اعدها الفريق حول البحث، فإن النظام الذي تم بناؤه عبر السوبر كمبيوتر، سيصبح جزءا مما يعرف الآن بـ “المضافات الصناعية” أو المكونات والأجزاء الصناعية التي يتم طباعتها عبر الطابعات الرقمية ثلاثية الابعاد، للسماح للأفراد والشركات الصغيرة والمصانع المختلفة بإنشاء وتصنيع أجزاء أو منتجات حسب الطلب، لتستخدم في المصانع الكبرى، كمصانع السيارات والآلات والمعدات وحتي في بعض معدات الفضاء الخارجي، ومهمته في هذا المجال هي معالجة مشكلة كبيرة تعترض طريق هذه النوعية من المنتجات، وهي أن تصنيع المضافات المعدنية بطيئة ومكلفة، خاصة في حالة القطع والمكونات الدقيقة والمعقدة، ويعود البطء الي تعقيد المهام المنوط بها كشف خواص هذه المواد والتأكد من مطابقتها للمواصفات وقدرتها على العمل في الظروف المناسبة، وهو أمر لا يتم بالصورة المطلوبة من خلال الأدوات الحالية، وبالتالي لا يتم اكتشاف العيوب أو أوجه الخلل المختلفة في القطعة أو المكون إلا بعد انتهاء طباعته.
البناء الشاق
|
ولأن التصنيع يتم في معظمه عبر خطوات رقمية، تلعب فيها الحاسبات والطابعات الرقمية ونظم المعلومات أدوارا متداخلة ومهمة، قرر الفريق التعامل مع مشكلة البطء والتكلفة العالية في تصنيع المضافات المعدنية المطبوعة ثلاثيا، من خلال أدوات وتقنيات المعلومات أيضا، فقرر بناء نظام يستخدم الرسومات والتصميمات الرقمية التي تعمل بها الطابعات في طباعة المضافات الصناعية، لبناء نماذج وتحليلات عميقة ودقيقة جديدة، مهمتها ليس إرسال بيانات التصميم وطبيعة المنتج أو المكون للرأس الطابعة، وإنما بناء المنتج بالكامل بدقائقه وتفاصيله المتناهية الصغر، عبر الحاسب، بما يسمح بوضعه تحت ظروف التشغيل المختلفة بصورة افتراضية، ودراسة سلوكه وأداؤه من من مختلف الجوانب وفي مختلف الظروف، بما يؤدي في النهاية للقيام بعملية فحص الجودة بمنتهي الدقة والاتقان قبل طباعته.
اكتشف الفريق أن بناء المكونات علي هذا النحو عملية شاقة للغاية، وتتطلب مراحل مختلفة حتي يمكن نمذجتها حسابيا، وبالطرق العادية يعد هذا مكلفا ويستغرق وقتا طويلا أيضا، وبحسب الباحثين فإن المشكلة متعددة الأطوار، وتشمل فحص الغا والسوائل والمواد الصلبة والتحولات فيما بينها، وفي الطرق الحالية لتصنيع المضافات الصناعية، وجد أن هناك نطاق واسع من المقاييس المكانية والزمانية، وفجوات كبيرة في الفيزياء التي تحدث علي نطاق صغير والمنتج الحقيقي.
مواجهة بالتعلم الآلى
قرر الفريق مواجهة هذه التحديات بنظم التعلم الآلي والتعلم العميق والشبكات العصبية ، وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي، بهدف بناء خوارزمية أو نموذج رياضي قادر علي التنبؤ بالعمليات المعقدة التي ينطوي عليها تصنيع المضافات الصناعية، وبحسب الدكتور تشو فإن النظام المستهدف بناؤه يسعي إلي إقامة علاقة بين المعالجة أو العمليات التي تتم اثناء التصنيع، والهيكل الخاص بالجزء المراد تصنيعه، والخصائص والأداء المطلوب فيه، بما يؤدي في النهاية إلي تنفيذ عملية التقييم وفحص الجودة بأسرع وأدق ما يكون.
مع المضي قدما في المشروع تبين للفريق أن بناء نماذج الشبكات العصبية والتعلم الآلي تحتاج إلي كميات هائلة من البيانات، للتدريب عليها، والمشكلة أنه في مجال تصنيع المضافات الصناعية، يصعب كثيرا الحصول علي بيانات عالية الدقة بالكمية المناسبة، ولكي يتغلب الفريق علي هذه المعضلة، قام ببناء نوعية خاصة من الشبكات العصبية، اطلق عليها “الشبكات العصبية المستنيرة للفيزياء”، وهي نوع من الشبكات قادر علي التعلم والنضج شيئا فشيئا في فهم المهام المطلوب منه، استنادا الي كميات قليلة من البيانات، وقال الدكتور تشو انه تم انجاز هذه الخطوة من خلال دمج قوانين الحفظ، والتعبير عنها كمعادلات تفاضلية جزئية، مما ادي لتقليل كمية البيانات المطلوبة لتدريب النماذج الرياضية والشبكات العصبية وتعزيز قدراتها.
الإنجاز
|