في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كانت مؤسسة “باي سيتي للخدمات الإخبارية” وكالة أنباء محلية مزدهرة رابحة، يغطي نشاطها مساحات واسعة من ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وبعد ثلاثة عقود انتهي بها المطاف مؤسسة خاسرة مفلسة، أصولها معروضة للبيع، واعمالها قيد التصفية، لكن محررة ومراسلة سابقة في الوكالة نفسها، ملتزمة بمهنتها بما فيه الكفاية، وعنيدة بما فيه الكفاية وشجاعة بما فيه الكفاية لتحمل عبء تغيير الموروثات، غامرت بشراء الوكالة، ثم غمست نفسها في محيط التقنية والأدوات الرقمية مترامي الأطراف، وتعلمت كيف تعيد صياغة اعمال الوكالة لتناسب العصر الرقمي بأدواته وتحولاته المهولة، وعادت لتطفو بوكالتها القديمة على السطح، وتبعث فيها الحياة مجددا، وتبث فيها من الحيوية والكفاءة ما يجعلها قادرة علي النمو مجددا، ولكن بوجه جديد وأدوات وآليات جديدة، بات علي قمتها نطام “مايكروسوفت تيم” للعمل التعاوني التشاركي اللحظي، وخدمات الحوسبة السحابية، التي جعلت غرفة الاخبار الأساسية للوكالة في “اللامكان واللازمن”، لتعمل طوال الوقت بأقل التكاليف، ولتقدم لمحة مميزة من الحياة الرقمية الجديدة.
حلم قديم وتحدي جديد
دخلت كاثرين وكالة “باي سيتي” لأول مرة قبل 35 عاما، كمتدربة خلال الصيف، تلاحق الصحفيين المخضرمين من أجل التعلم، حينما كانت الوكالة تقدم دفقًا ثابتًا من المقالات وجدول الأحداث اليومية للصحف والمذيعين في منطقة خليج سان فرانسيسكو ، وكذلك للوكالات الحكومية وشركات العلاقات العامة، وأي شخص يحتاج إلى مراقبة المنطقة، ويقوم المشتركون في وسائل الإعلام بإعادة نشر القصص في منشوراتهم الخاصة أو استخدامها كخلفية لمقاطعهم الخاصة أو كأفكار لمحرري المهام.
وحاليا تتذكر أنها كانت تقول لنفسها يوم دخولها الوكالة “أراهن أنني أستطيع إدارة هذا المكان”، وبعد ذلك واصلت حياتها المهنية كصحفية داخل الوكالة كمراسلة ومحرر في منطقة خليج سان فرانسيسكو، ثم مراسلة أجنبية في هولندا وهندوراس، وتنقلت في مهام ووظائف عديدة، وفي مارس 2018 كان المقر الرئيس لوكالة ” باي سيتي” للأخبار قد انتقل الي غرفة المعيشة بأحد منازل منطقة أوكلاند بكاليفورنا، وهو منزل كاثرين.
|
لقد عرضت الوكالة للبيع وكاثرين تدرس للحصول علي زمالة في الصحافة بجامعة ستانفورد عام 2018، وساعتها قررت المغامرة وشراء الوكالة وأصولها كاملة، ودفعت في ذلك كامل مدخراتها، بالإضافة لقروض من العائلة والأصدقاء، ثم شرعت علي الفور في تلقي دروس في إدارة الأعمال وريادة الأعمال في جامعة ستانفورد ، ودراسة نماذج الأعمال الإعلامية ، وعمليات التوظيف والتوظيف وغيرها، وفي مارس 208 اشترت جميع أسهم الشركة، لتجعل من الحلم الذي راودها قبل 35 عاما بإدارة الوكالة حقيقة واقعة، ولأن وكالة انباء “باي سيتى” أصبحت الآن جثة هامدة مطلوب إعادة الحياة إليها، فلم يعد الأمر حلما بل تحدي كبير محفوف بالمخاطر.
بحلول يونيو 2021، كانت وكالة “باي سيتى” قد بعثت فعليا من جديد، وأصبح لها ما يقرب من عشرين مراسلا، واستطاعت توظيف أول مصور خاص بالوكالة، وتحركت صالة التحرير من غرفة معيشة منزل كاثرين، لتسكن حاسبات خادمة علي الحوسبة السحابية، وتدار بالكامل بنظام “مايكروسوفت تيم”، لتبث الأخبار والقصص والتحليلات والفيديوهات عن الاحداث الجارية في نطاقها الجغرافي القديم، الذي يضم 11 مقاطعة في كاليفورنيا، ويصبح لها عملاء وزبائن مرة أخرى، يشملون مواقع إخبارية وصحف ووكالات حكومية ومحطات تليفزيونية وشركات علاقات عامة وبحوث وغيرهم، تماما كما كان في الأيام الزاهرة السابقة، ولكن بشكل وأسلوب عصري رقم جديد.
|
وثق قسم الأخبار في موقع مايكروسوفت كيفية عودة هذه الوكالة للحياة مرة اخري، علي يد كل من كاثرين رولاندز، ونظام مايكروسوفت تيم، وخدمات الحوسبة السحابية، وبعض تقنيات مايكروسوفت الأخرى، مثل حزمة اوفيس 365 السحابية، وحزمة برمجيات “باور بي آي” للتحليلات والتمثيل والعرض البصري الديناميكي الحي للبيانات، لتصبح وكالة “باي سيتي” نموذجا يمضي عكس الريح أو عكس الاتجاه بعد عودته إلي الحياة وسط عمليات تداعي وإفلاس وأغلاق طالت أكثر من 2100 صحيفة ومؤسسة إخبارية أمريكية خلال السنوات الأخيرة.
خردة تقنية قديمة
حينما تسلمت كاثرين أصول وكالة “باي سيتي”، كانت بحسب قولها عبارة عن خردة تقنية بالمعني الحرفي، فهي أجهزة حاسبات مكتبية متهالكة، وأجهزة فاكس كسورة، وخزائن مليئة بالملفات الورقية الصفراء، موضوعة جنبا الي جنب باعتبارها معدات وموارد غرفة اخبار الوكالة، بدون موارد رأسمالية او فريق لتقنية المعلومات للمساعدة، وبدون نظام خلفي أو واجهة خلفية منظم يدعم أعمال الوكالة، وتضيف كاثرين: كان علي معرفة كيفية القيام بكل الاعمال التجارية بالإضافة إلي الصحافة.
وعندما شرعت في إعادة بناء الوكالة من جديد، اكتشفت كاثرين أن العقبة التقنية هي أكثر ما يثير القلق، ربما أكثر من مهام التوظيف والموارد المالية غير المستقرة والأعباء المهنية الصحفية، ونظرًا لأنها استنفدت مدخراتها بالفعل، وحصلت على قروض من العائلة والأصدقاء لشراء الوكالة وأصولها، كان على كاثرين أن تبتكر من أجل “التحول الجذري” الذي كانت تعلم أنه مطلوب، وهنا لجأت إلي مايكروسوفت طلبا للمساعدة، في إطار مبادرة براد سميث رئيس مايكروسوفت في ذلك الوقت، الذي حدد أهم 10 قضايا تتعلق بالسياسة التقنية، ورأي انها مفتاح للحفاظ علي الديمقراطية، وكان من بينها الصحافة، وبحلول يناير 2020 كان مراسلو الوكالة يعملون علي حاسبات محمولة جديدة، مزودة بتراخيص للعمل علي برامج مايكروسوفت 365 السحابية، التي تبرعت بها مبادرة “مايكروسوفت للأخبار”، وبدأت كاثرين تعيد بناء البنية التحتية التقنية للوكالة، فحتى هذه اللحظة كان النظام التقني للوكالة يعمل بالمفهوم القديم، الذي تتلقي فيه غرفة الاخبار المواد من المراسلين في اتجاه واحد فقط، لا يتيح التحرير المتزامن أو الترجيع، وكان كل شخص لديه شيء مختلف يعمل به، فالبعض يرسل عبر البريد الالكترونية والبعض الآخر يستخدم مؤتمرات الفيديو الفردية، وثالث يستخدم المكالمات الصوتية، وكل يعمل علي منصات مختلفة.
|