في الطريق إليك: حروف وخطوط تغير مظهرها على الشاشة بحسب طريقتك في القراءة

خطوط
في تطور جديد يستهدف تسهيل قراءة النصوص علي شاشات الحاسبات والهواتف وغيرها من الأجهزة الأخرى، نجح فريق من الباحثين بمركز العلوم المعرفية الإدراكية بجامعة دارمشتات للتقنية بألمانيا، في بناء نظام جديد يقوم بتوليد عدد لا نهائي من الخطوط واحرف الكتابة التي تظهر علي الشاشة، اثناء قيام المستخدم بقراءة النصوص، وتغيير شكل ومظهر الأحرف والخطوط لحظيا، لتكون متناسبة مع طريقة المستخدم في القراءة، من حيث السرعة ومعدل تكبير وتصغير الحرف أو الخط علي الشاشة، وذلك استنادا الي خوارزمية جري تطويرها بتقنيات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي، تكتشف النظام البصري للمستخدم أثناء القراءة، وتحدد الخط المناسب له.
عرض الباحثون النظام الجديد لتوليد خطوط وأحرف الكتابة أمام دورة هذا العام من المؤتمر العالمي لعلوم التفاعل بين الإنسان والحاسب ” سي اتش آي 2021“، الذي عقد بجامعة يوكاهاما باليابان خلال الفترة من 8 الي 18 مايو الجاري، وذلك من خلال ورقة بحثية يمكن الاطلاع عليها بالكامل هنا، تناولت مختلف جوانب الطريقة الجديدة التي يعمل بها النظام، والخطوط التي ينتجها، والتي أطلقوا عليها ” الخط التكيفي AdaptiFont “، كما نشر الفريق الفيديو التوضيحي التالي حول البحث:

اللغة والنص المرئي
استهل العلماء ورقتهم البحثية بالقول  إن اللغة هي الوسيلة الأكثر انتشارًا لتبادل المعرفة بين البشر، وجانب كبير من هذه اللغة ليس منطوقا، وإنما موضوعا في هيئة نصوص مكتوبة، والنص المجرد المكتوب يجب أن تكون مرئيا حتى تتم قراءته، وفي الطباعة أو على الشاشة، يتم تحويل النص إلى أحرف مرئية من خلال عملية معقدة تتضمن اعتبارات فنية وتصميمية في إنشاء الخطوط واختيار خطوط محددة والعديد من قرارات الطباعة المتعلقة بالمكان وترتيب الحروف والكلمات.
ومن هنا تمثل السؤال الأساسي الذي انطلق منه البحث في ما إذا كانت طريقة عرض النص تؤثر على كيفية قراءته ومعالجته وفهمه، وعلميًا ، يكمن هذا السؤال في تقاطع كل من العلم الإدراكي وعلم الإدراك، وأجريت العديد من البحوث  التجريبية لقياس كيفية تأثير خصائص النص المكتوب على إدراكه في القراءة سواء على الورق أو على الأجهزة الإلكترونية، وجاءت النتائج الإجمالية لهذه البحوث التجريبية حول العلاقة بين سرعة القراءة أو فهم القراءة ومعلمات الخط مختلطة ومتناقضة جزئيًا.
استخدام 25 خط كتابة كلاسيكي لتوليد عدد لا نهائي من الخطوط لحظيا
وفي الآونة الأخيرة، وبسبب الاستخدام الواسع للنص الإلكتروني الذي يمكن قراءته على أجهزة مختلفة في ظل ظروف عرض مختلفة ، تم تطوير طرق تكيفية لعرض الخط وعرض النصن علاوة على ذلك ، تم تطوير الخطوط القابلة لاستيعاب الرموز “المعلمات” بشكل كامل، بهدف توليد خطوط جديدة لأغراض متعددة كتعزيز إمكانية القراءة للأفراد ضعاف البصر، أو لزيادة إمكانية القراءة على الأجهزة الإلكترونية الصغيرة.
الخطوط التكيفية
أوضح الباحثون أنهم حاولوا في بحثهم الجديد غلق هذه الحلقة، عن طريق توليد “الخطوط التكيفية” المرنة، التي لا تكون مصممة ومنتجة مسبقا بمعرفة المصممين والمبرمجين كما هو معتاد الآن، بل يتم الحصول عليها من خلال فهم وتحليل ومعرفة مجموعة من الخطوط السابقة، ثم مزج خصائص هذه الخطوط معا، وتوليد خطوط جديدة من بينها، بصورة لحظية، تتكيف مع متطلبات المستخدم أو القارئ في لحظة القراءة، ويتم عرضها علي الشاشة اثناء القراءة، ويمكن ان تتغير مع متابعة القراءة من فقرة لأخرى، او مع تغيير وضعية الشاشة، او التكبير والتصغير وغيرها، وما ان ينتهي المستخدم من القراءة، تختفي وكأنها لم تكن.
خوارزمية تكتشف النظام البصري للمستخدم وتحدد الخط المناسب له
شرح الباحثون هذه النقطة بقولهم أنهم قاموا ببناء خوارزمية “نموذج رياضي” استنادا الي تقنيات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي، وتقوم هذه الخوارزمية بمهمتين، الأولي فهم وتحليل وتعلم خصائص 25 خط من خطوط الكتابة الكلاسيكية الشهيرة، والثانية متابعة ما يعرف بـ “النظام البصري” للمستخدم اثناء القراءة، لمعرفة طريقته في القراءة، استنادا الي عوامل كثيرة، كمستوي اضاءة الشاشة، وسرعة القراءة، والخط الذي يحاول اختياره، ومستوي التكبير والتصغير وغيرها، ومن خلال مضاهاة النظام البصري للمستخدم اثناء القراءة، مع التحليلات العميقة لخصائص الـ 25 خط المستخدمة في النظام، تقوم هذه الخوارزمية بتوليد سلسلة من الخطوط والأحرف الملائمة اكثر للمستخدم وهو يقرأ النص، واستخدامها في إظهار النص المقروء علي الشاشة أمامه، ليكون النص في مرئيا وفي أكثر حالاته وضوحا وتناسبا مع المستخدم، وبالتالي فإن المستخدم يكون أمامه خط مولد في اللحظة التي يقرأ فيها، ويمكن أن يتغير بين ثانية وأخرى، وهذا الخط ليس بالضرورة مسجلا مسبقا في نظام تشغيل الحاسب أو الهاتف، بل جديد ومرن ومؤقت ووليد اللحظة.
الاستدلال “البايزي”
أشار الفريق البحثي إلي أن النظام يعتمد على مساحة الخط التوليدية ، والتي يتم تعلمها بطريقة تعتمد على البيانات باستخدام عامل مصفوفة غير سالب، تعرف احصائيا باسم “إن إم إف”، كما يتم استخدام أسلوب ” الاستدلال البايزي” الإحصائي الذي يستخدم نظير عالم الرياضات والاحصاء الشهير “بايز” في الوصول الي شكل الخط والحرف المولد لحظيا اثناء القراءة، واكد الفريق أن الاستدلال البايزي مهم بشكل خاص في التحليل الديناميكي لتسلسل البيانات المستخدمة في الوصول إلي الخطوط الجديدة التي تسمح للقارئ بقراءة النصوص بشكل أسرع.
تجارب اثبات المفهوم
توليد الخطوط علي شاشة الحاسب والهاتف وتغييرها باستمرار اثناء القراءة
اجري الباحثون سلسلة طويلة من التجارب لإثبات هذا المفهوم، والوصول الي الخطوط التكيفية التوليدية، وقياس التحسين الذي تحققه في سرعة قراءة المستخدمين الفرديين للنصوص المعروضة علي الشاشة، وأيضا اثبات ان هذه الخطوط اختلفت من فرد لآخر، بحسب نظامه البصري في القراءة،  وتم في هذه التجارب تشغيل النظام الجديد علي مجموعة من الحاسبات والهواتف التي يعمل عليها مجموعة من الأشخاص، وقام كل شخص بالبحث عن نص وقراءته، وتم تحديد متوسط ​​سرعة القراءة في الكلمات في الدقيقة لكل نص على جميع المشاركين، للتحقق مما إذا كان هناك اختلاف كبير في متوسط ​​القيمة وبالتالي اعتماد سرعة القراءة على النص المعني، وكذلك التحقق من أن كل شخص ظهر امامه خط جري توليده له خصيصا، ويختلف بدرجة او بأخرى عن الخط الذي ظهر أمام المستخدمين الآخرين، او اختلاف أثناء القراءة والتنقل من فقرة لفقرة.
النتيجة
 في النهاية توصل فريق البحث إلى أن الخوارزمية الخاصة بهم، تولد بالفعل خطوطًا جديدة تزيد من سرعة قراءة المستخدم الفردي، وأن جميع القراء لديهم خطهم المخصص الذي جعل القراءة سهلة بشكل خاص بالنسبة لهم، وأن الخط المفضل لا يناسب بالضرورة جميع المواقف او جميع الأشخاص، لذلك يمكن فهم الخط التكيفي على أنه نظام يقوم بإنشاء الخطوط للفرد بشكل ديناميكي ومستمر أثناء القراءة ، مما يزيد من سرعة القراءة في وقت الاستخدام، وقد يعتمد هذا على محتوى النص ، سواء كنت متعبًا أو ربما باستخدام أجهزة عرض مختلفة، كشاشة هاتف صغيرة، أو شاشة حاسب مكتبي كبيرة وغيرها.
أوضح الباحثون أن الامر سيستغرق بعض الوقت حتي يتم الانتهاء من البحوث وتحويلها إلي تقنية تجارية، يتم تركيبها مع أنظمة تشغيل الحاسبات المكتبية والمحمولة والهواتف الذكية، وإن كان الفريق قد حصل بالفعل علي براءة اختراع خاصة بهذا النظام.