لعقود طويلة، ظل صوت الجرار الزراعي العامل بمحرك الديزل من العلامات المميزة للمزارع، سواء وهو يحرث الأرض، أو يحصد الزرع، أو ينقل الأسمدة والمحاصيل، أو يشغل ماكينات رفع مياه الري من المساقي إلي المساحات المزروعة، لكن وافدا جديدا سيغير على الأرجح هذا الأمر خلال سنوات قليلة، وينزع الجرار الزارعي الديزل عن مكانته كعنوان لآلات المزرعة، وهذا الوافد هو الجيل الجديد من الجرارات الزراعية الرقمية، التي تعمل بكهرباء مستمدة من لوحات شمسية بالمزرعة ومخزنة في بطاريات على طرقات المزرعة، ينكب على عمله في الحرث والجز والتسميد والحصد والنقل، دون ان ينبس ببنت شفة، وبلا صوت تقريبا، فهو هادئ الطباع، ذكي أريب، يعمل بصورة مستقلة وفق برامج عمل مسبقة، وذاتي القيادة بالكامل، ومهمته ان يجعل المزرعة اكثر اخضرارا، واعلي انتاجا واقل تكلفة، واكثر هدوء.
باكورة هذا الجيل من الجرارات الزراعية، هو الجرار ” مونارك” الذي انتجته شركة تقنية ناشئة بولاية كاليفورنيا الامريكية، وتحمل الاسم نفسه، ووفقا لبيان صادر عن الشركة ونشر على موقعها ، فإنها تخطط لتسويق مونارك تجاريا بنهاية العام الحالي، ليكون أول جرار في العالم يعمل بالكهرباء بالكامل، وذاتي القيادة بالكامل.
|
وقالت الشركة أنه تم تشغيل الجرار في ثلاثة مزارع، منها مزارع الكروم ” وينتي فين يارد” التي تعد مزارع تابعة لأقدم مصنع نبيذ عائلي يعمل باستمرار في الولايات المتحدة، والمزارع الثلاثة هي الأولى من بين 15 عملية نشر تجريبية قبل تسليم الإنتاج في الربع الرابع من عام 2021 حيث تواصل الشركة إخضاع الجرار لاختبارات شاقة في العالم الحقيقي، بعدما حاز على جوائز علمية في مجالات الكهرباء والميكنة والتعلم الآلي وتحليل البيانات، ووضع معيار جديد في تكنولوجيا الجرارات وقدراتها، ويمكن مشاهدة مونارك وهو يعمل بأحد هذه المزاري في هذا الفيديو.
عقدان من العمل
قال برافين بينمتسا المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة مونارك أن الجرار الذكي الجديد هو حصيلة ما يقرب من عقدين من الخبرة والعمل وفي قطاعي النقل والطاقة، فهو آلة محملة بمنظومة مركبة ومعقدة من البرمجيات والالكترونيات والمستشعرات ونظم التشغيل، ونظم الطاقة الجديدة، فضلا عن الأجزاء الميكانيكية المعتادة في جرار زراعي، وهو يمثل استجابة للتحول الذي تعيشه الزراعة والصناعة معا، نحو العصر الرقمي والمركبات ليس فقط ذاتية القيادة، ولكن التي تفهم طبيعة العمل أو المهنة التي تعمل بها ، وكمعدة صناعية تخدم القطاع الزراعي، فيتعين عليها أيضا أن تلبي التحديات التي تواجه البيئة من حولها، فحينما جرار زراعي واحد محل سيارة أو معدة تعمل بالديزل، ويتم شحنه بالكهرباء المتجددة المنتجة من الشمس، فيمكنه تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمعدل 53 طنًا سنويًا، أي ما يعادل سحب 14 سيارة ركاب تعمل بالبنزين عن الطريق.
يعود بينمتسا للحديث عن المهمة الرئيسة لجرار مونارك قائلا إن الأمر لا يتوقف عند القيادة الذاتية، أو حتي القيام بالمهام التقليدية شائعة الانتشار في المزرعة، من حرث وجز وتسميد وحصد ونقل أشياء من مكان لآخر، بل يتجاوز ذلك لمهام جديدة، هي جمع واستنباط البيانات من كل ما يصادفه، كالتربة والحرارة والرطوبة، ومستوي الاملاح، وبقايا المبيدات، وانتشار الحشرات والاوبئة الزراعية، وتسرب الري، وتغير لون المحاصيل وغيرها، وبهذه الطريقة فإن الجرار مونارك سيجعلنا قادرين في وقت ما أن نضع ملصقا على الطعام الذي وصل لمائدة المستهلك في منزله، يبين له رحلة الطعام منذ الحرث حتي التصنيع والتسليم على باب المزرعة، ليعرف ويطمئن إلي كيف تم انتاج ما يتناوله من غذاء.
|
يصف بينمتسا هذا الأمر بأنه التحول العظيم في قطاع الزراعة، القائم على بيانات ومعلومات يتم استيفاؤها على مدار اليوم، حول ما يدور في المزرعة، بأدق تفاصيلها، جنبا الي جنب مع يتوقع أن يوفره من آلاف الدولارات للمزارعين سنويا، نتيجة خفض عدد العمالة وتكاليف الوقود.
ويبدو بينمتسا متحمسا للغاية بشأن أن يتمكن المزارعون من استخدام البيانات لتوفير قدر أكبر من الشفافية للعملاء، ويقول: نريد أن يقدّر المستهلكون ما مر به المزارع لوضع الطعام على المائدة، وإذا تمكن المزارعون من سرد هذه القصة من خلال البيانات ، أعتقد أنه يمكننا إنشاء جسر مباشر بين الاثنين، وهنا سيكون دور الجرار مونارك مهما وحاسما.
50 ألف دولار
يتم اختبار الجرار حاليا في مزارع تابعة لثلاثة ولايات أمريكية، وتخطط الشركة لبيع وحداتها الأولي من الجرار مونارك خلال الشهرين المقبلين، حيث يباع الواحد منها بسعر يبدأ من 50 ألف دولار، وتأمل الشركة في بدء الإنتاج التجاري في وقت لاحق من العام الحالي، مع توقعها بخفض الأسعار تدريجيا بعد ذلك مع التوسع في البيع.
|