مراقبة مستويات الدخان وجودة الهواء.. استخدام جديد لإشارات شبكات المحمول

منذ اختراعها ثم انتشارها على نطاق واسع عالميا بدءا من تسعينيات القرن الماضي، ظلت إشارات شبكات الاتصالات اللاسلكية الهاتفية المحمولة التي تسافر في الهواء، تستخدم فقط في نقل الصوت ثم البيانات التي تشمل الصور والفيديو بعد ذلك، ومن الناحية البيئية كانت مصدر قلق، خاصة المحطات القاعدية التي يتم تركيبها على أبراج الشبكة، والتي سرت مخاوف ولا تزال من تسببها في حدوث أورام سرطانية لدي من يتعرضون لها بصفة مستمرة، لكن بحث جديد ورائد يري أن هذه الإشارات يمكن استغلالها مستقبلا على نطاق واسع لصالح البيئة، من خلال مراقبة جودة الهواء ومستويات الدخان والملوثات الأخرى في الجو، ولأنها إشارات تنتشر في كل شبر من المناطق التي تغطيها شبكات المحمول، فيمكن النظر إليها إلي أنها أكبر مرصد شهدته البشرية لمراقبة جودة الهواء وملوثاته، بتكلفة رخيصة وتغطية وكفاءة غير مسبوقة أو متخيلة.
نتائج مبدئية تربط بين تلوث الهواء وتغيرات بإشارات المحمول
جاء طرح فرضية استخدام إشارات شبكات اتصالات الهواتف المحمولة في قياس جودة الهواء وملوثات الجو، في بحث جديد ورائد، يقول منفذوه في جامعة موناش الاسترالية أنه الأول من نوعه عالميا، وقدم نتائج أولية مبشرة في هذا الصدد، ونشر قسم الأخبار بموقع الجامعة ملخصا لنتائج الدراسة، فيما نشر قسم الأبحاث بالموقع الدراسة كاملة، ويمكن الاطلاع عليها هنا.
سيناريو البحث
تغيرات الإشارات نمطية ممنهجة بحسب نوعية الملوثات
قاد فريق البحث الدكتور أدريان جويوت من قسم الهندسة المدنية بجامعة موناش، وكان من بين أعضاء الفريق الدكتور جيف ووكر وجيارام بوداشين وفالنتيجن باولس من القسم نفسه، فضلا عن باحثين من جامعة واجينينجين الهولندية، ومكتب الأرصاد الأسترالي، وكلية الأرض والغلاف الجوي والبيئة بجامعة موناش.
شرح الدكتور جويوت سيناريو الدراسة قائلا أن فريق البحث قام بتحليل نوعية الهواء وملوثاته من الدخان وخلافه، خلال فترة الحرائق الكبرى التي شهدتها الغابات الاسترالية الصيف الماضي، واحرقت 46 مليون فدان، وفي الوقت نفسه قام بتحليل البيانات التي تسجلها شبكات الاتصالات بصورة روتينية منتظمة، لطبيعة وانماط الإشارات الخاصة بشبكات الاتصالات، خلال فترة الحرائق، بهدف استكشاف اية تغيرات تكون قد شهدتها إشارات شبكات اتصالات الهواتف المحمولة خلال فترة الحرائق وما بعدها، في الأماكن التي بها تغطية بإشارات شبكات المحمول، ومحاولة البحث عن روابط أو أنماط بين ما دخل الهواء من دخان وملوثات، وما شهدته إشارات شبكات المحمول من تغيرات.
أعمال الرصد والتحليل
الهواءتناول الدكتور يوجوت بعد ذلك أعمال الرصد والتحليل التي تمت خلال الدراسة بقوله أن التحليلات أظهرت أن الهواء الجاف الذي احتوى على كميات كبيرة من الدخان داخل طبقة سطحية فوق الأرض خلال الحرائق، كان بمثابة غطاء، مما يقلل التشتت ، ويحاصر ويحافظ على تركيزات عالية من الدخان على مستوى الأرض، وقد أدى هذا المناخ إلى نشأة ظروف بث غير منتظمة للوصلات اللاسلكية ورادارات الطقس التشغيلية.
وبمواصلة التحليلات، تم تحديد أنماط الإشارات الفريدة غير المعتادة في شبكات الاتصالات المحمولة، وتبين أنها مرتبطة بهذه الظروف الجوية المحددة وتركيزات الدخان، وتم التوصل إلى ذلك من خلال تحليل مستويات الإشارة المستقبلة لهذه الروابط.
أضاف الدكتور يوجوت أنه في هذه النقطة تحديدا، تكمن القوة الكبيرة لبيانات شبكة الهاتف المحمول في أنها توفر معلومات فريدة جدًا موزعة مكانيًا وزمنيا حول استقرار الغلاف الجوي، و هذه معلومات مهمة لأن استقرار الغلاف الجوي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحدوث دخان كثيف بالقرب من الأرض، باعتباره مقدمة ونتيجة للتركيز العالي للدخان، ومن المهم في هذا الشأن أن البيانات المجمعة من شبكات الاتصالات المحمولة، تأتى رأسا من الوحدات المعروفة باسم “روابك الميكرويف التجارية” أوسي إم إل، وهي وحدات تعتبر العمود الفقري لشبكات اتصالات الهواتف المحمولة، وتستخدم أحيانا في قياس هطول الامطار ومستويات الرطوبة، ولوحظ من خلال تحليلات البيانات والربط بينها وبين ارصاد الهواء ومستويات الدخان وملوثاته، أن بيانات الشبكات، أظهرت اختلافات في المناخ والظروف الجوية، بالإضافة إلى تقلبات درجة الحرارة التي يمكن أن تكون مقدمة لمستويات الجسيمات المرتفعة المرتبطة بحادث دخان.
النتيجة
توقعات بظهور أنظمة رصد جودة الهواء الجديدة خلال العقد الحالى
انتهي الفريق إلي أن إشارات شبكات المحمول حدثت بها تغيرات نمطية ممنهجة، قابلة للقياس، ومرتبطة احصائيا وواقعيا بتغيرات بعينها تحدث في الغلاف الجوي، وفي نوعية الهواء، وطبيعة ونوع الجسيمات الدقيقة التي تظهر به، وأن الروابط الإحصائية بين الطرفين، أي تغيرات الهواء، وتغيرات طبيعة الإشارات، تثبت صحة الفرضية القائلة بإمكان استخدام التغير في طبيعة إشارات شبكات الاتصالات الهاتفية المحمولة في التنبؤ بنوع ومستوي الدخان وملوثات الجو في مختلف الأوقات والأماكن.
أكد الفريق أن هذه نتائج مبدئية، لكنها مشجعة، باعتبارها مبنية على أرصاد وبيانات حقيقية واقعية، تم جمعها من مساحات واسعة، وعلي فترة زمنية معقولة، اثناء وبعد الحرائق، ووصفها الفريق بأنها “تكنولوجيا في المهد” يمكن أن تقود مستقبلا إلي أنظمة استشعار ورصد جوي وهوائي، قائمة بصفة أساسية على استخدام إشارات شبكات المحمول في عمليات الرصد والتنبؤ، وتلعب فيها الأنظمة الأخرى أدوارا مساعدة، وفي حال التوصل إلي هذه النظم مستقبلا، يمكن تخفيض تكلفة الرصد الجوي، وأدوات مراقبة جودة الهواء والملوثات بصورة حادة، لأنها ستتم من بيانات مجمعة من شبكات قائمة بالفعل، وتستخدم كمنتج جانبي لها، عكس محطات الرصد والمراقبة الحالية باهظة التكلفة ومحدودة النطاق، فضلا عن أن الأنظمة المعتمدة على شبكات المحمول ستوسع نطاق الرصد والمراقبة للهواء بصورة غير مسبوقة، لأنها ستشمل كل مكان تغطيه هذه الإشارات.
توقع الدكتور يجوت أن الأمر سيستغرق سنتين على الأقل، قبل الوصول إلي نتائج بحثية نهائية في هذا الصدد، تبدأ بعدها جهود بناء مثل هذه الأنظمة لترى النور ربما بنهاية العقد الحالي.