خفايا وخلفيات ازمة المحتوي الإعلامي بين فيس بوك واستراليا

فيس بوك

قائمة المحتويات

بعد خلاف مستحكم بينه وبين الحكومة الاسترالية منذ عدة اشهر، قرر فيس بوك التوقف نهائيا عن إظهار روابط وصفحات المواقع الإخبارية الاسترالية على جميع صفحاته، وإيقاف إحالة مستخدمي الموقع الي صفحات هذه المواقع، ويعد هذا القرار رفضا نهائيا وتاما لمطالب الحكومة الاسترالية بضرورة تقاضي مقابل مادي، نظير عرض هذا المحتوي عبر فيس بوك، ومحرك البحث الخاص به.
استراليا تصر على تقاضي مقابلا ماديا للمحتوي
الازمة تستمر عدة اشهر بلا حل
فيس بوك يرفض وينهي الامر بعزل الناشرين
تعد هذه أول سابقة من نوعها في تاريخ الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، يتم فيها وصول الصدام القانوني والتجاري بين شركة انترنت، وحكومة دول من الدول إلي هذه الدرجة من القطيعة، فلا الحكومة تراجعت عن تطبيق احد قوانينها، ولا الشركة قبلت بالانصياع للقانون، فكانت النتيجة هي عزل بعزل ناشري الاخبار الاستراليين عن خدمة فيس بوك، وإخفاؤهم من صفحاته، وسط حالة من الجدل والصخب الحاد عالميا، حول قضية التنافس والصراع بين النشر الالكتروني لخلاصات الاخبار عبر فيس بوك، القائم على محتوي الكتروني جري انتاجه والإنفاق عليه ونشره في مواقع إخبارية وإعلامية خارج فيس بوك.
بداية الخلاف
تعود وقائع الخلاف إلي عام 2017، حينما شكلت الحكومة الاسترالية لجنة المنافسة والمستهلكين الاسترالية، المعروفة باسم “أية 3 سي”، وكلفتها بالنظر في تأثير محركات البحث عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ومجمعو المحتوى الرقمي، على المنافسة في أسواق خدمات الإعلام والإعلان، وانتهت اللجنة في بحثها الذي استمر على مدار عامين، إلي وجود العديد من المخاوف الرئيسية والآثار السلبية التي يتعرض لها قطاع وسائل الاعلام المحلية، نتيجة أنشطة محركات البحث ومواقع التواصل ومجمعي المحتوي الرقمي، وتمثل هذه المخاطر في انخفاض الحوافز التجارية اللازمة لتغطية العناصر الأساسية للإنتاج الصحفي، وأكدت اللجنة أن المخاوف تتعلق بالأساس بهيمنة كل من جوجل و فيس بوك ، وقدرتهما على إمالة مجال الإعلان الرقمي لصالحهما.
كانت هذه بداية وضع قانون “المفاوضة الإعلامية”، الذي انتهي إلي وضع آلية لمواجهة هذا الموقف، تلزم محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي الكبرى، المتعاملة في المحتوي الاخباري، وفي مقدمتها فيس بوك، بدفع مقابل مادي نتيجة ما تتعامل فيه محركات البحث بها، أو ينشر له روابط على صفحاها من محتوي إعلامي، منشور في مواقع إعلامية وإخبارية اخري.
انطلاقًا من النتائج الأولية التي توصلت إليها اللجنة، اتخذت الحكومة الاسترالية سلسلة خطوات، حاولت من خلالها اجبار فيس بوك وجوجل، على دفع مقابل مادي، نظير التعامل في المحتوي الإعلامي الأسترالي، وشهد الامر كثير من الشد والجذب حتي ابريل 2020، حينما شرعت الحكومة الاسترالية في وضع الإجراءات التنفيذية لقانون المفاوضة الإعلامية، وطورت ما يعرف بـ “الرمز إلزامي” لمعالجة المفاوضة الإعلامية، وعلاج اختلالات القوة بين المنصات الرقمية وشركات الإعلام وفرض ذلك على جوجل وفيس بوك دفع جزء من عائداتهما إلى ناشري الأخبار المحليين.
وبموجب قانون المساومة الإعلامية، بات من المتعين على فيس بوك وجوجل مشاركة الإيرادات مع الناشرين الأستراليين لأي استخدام لمحتوى الأخبار، بما في ذلك الروابط إلى مواقعهم، ولم يتم تحديد المقدار الذي سيحتاجون إلى توفيره بالضبط ، ولكن الأمر يتعلق بالتفاوض بين الأطراف المعنية ، والتحكيم ، إذا لم يتم التوصل إلى صفقات، وعقوبة عدم الالتزام بالقانون غرامة أقصاها 10 ملايين دولار في السنة ، أو جزء من إيرادات الشركة السنوية.
وقعت بعد ذلك سلسلة من الاحداث انتهت بقرار فيس بوك بعدم الدفع، وقرار جوجل بالدخول في مفاوضات للدفع.
سبب رفض فيس بوك
بعث فيس بوك بردود عديدة للحكومة الاسترالية، أوضح فيها أن القانون يجبر فيس بوك على الدفع للمؤسسات الإخبارية، مقابل المحتوى الذي يضعه الناشرون طواعية على منصاته، وبسعر يتجاهل القيمة المالية التي يقدمها فيس بوك للناشرين.
وأكد فيس بوك أنه ليس لديه منصة أخبار مخصصة في أستراليا ، لذلك لا يحقق أي فائدة مباشرة من محتوى الأخبار، لكنه بالتأكيد يستفيد من وجود محتوى إخباري على منصته، والمشاركة اللاحقة والمناقشة التي تولدها ، ولكن فيس بوك نفسه لا يعيد مشاركة محتوى الأخبار ، ولا يأخذ مواد الناشر ويعيد استخدامها لتحقيق مكاسب خاصة به، وينشر المستخدمون ، بما في ذلك الناشرون أنفسهم ، المحتوى على فيس بوك ، والحالة الأخيرة تستخدم مقياس فيس بوك لجذب المزيد من الزيارات إلى مواقعهم، والعام الماضي ، أنتج فيس بوك ما يقرب من 5.1 مليار إحالة لزيارات مجانية إلى مواقع ناشرين أستراليين تقدر قيمتها بنحو 407 مليون دولار أسترالي، وفي المقابل فإن مكاسب الأعمال من الأخبار ضئيلة. تشكل الأخبار أقل من 4٪ من المحتوى الذي يراه الأشخاص في خدمة “آخر الأخبار”، يضاف لذلك أن المحتوى الإخباري ، خاصة من الناشرين الأستراليين ، ليس عنصرًا رئيسيًا في نظامه الأساسي .
دافع الناشرون الاستراليون عن موقفهم، مؤكدين أن المحتوى الإخباري ، في الواقع ، أمر بالغ الأهمية لـفيس بوك، وأن فيس بوك يحتاج إلى عملهم لتغذية محركه. لكن فيس بوك قال إن العكس هو الصحيح، خاصة في حالة الناشرين الصغار الذين لن يستفيدوا من المدونة والذين قاموا ببناء نماذج أعمالهم على اعتمادا على فيس بوك.
تحذير بالتوقف
وسط هذا السجال حذر فيس بوك اكثر من مرة، من أنه لن ينصاع للقانون، وسيضطر في النهاية إلي عزل الناشرين الاستراليين من صفحاته، وهو ما حدث مؤخرا بالفعل، وادي مباشرة الي انخفاض قدره 20% من حركة المرور الي المواقع الإعلامية والاخبارية الاسترالية، وحدد فيس بوك المحتوي الاخباري الذي يسري عليه العزل بأنه المحتوى الذي يُبلغ عن أو يحقق أو يشرح القضايا أو الأحداث ذات الصلة بإشراك الأستراليين في النقاش العام وفي إعلام صنع القرار الديمقراطي ؛ أو القضايا الحالية أو الأحداث ذات الأهمية العامة للأستراليين على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الوطني.
أدي هذا التعريف إلي وقوع العديد من الصفحات والحسابات الإخبارية وغير الاخبارية الاسترالية في نطاق العزل، فتم حجب مجموعة من الصفحات الحكومية وغيرها من الصفحات الإعلامية التي ليست من مقدمي الأخبار، ومجموعة من الصفحات التي تغطي إلى حد كبير كل موقع ويب ليس نشاطًا تجاريًا وتكون ذات صلة بأي شخص.
لم تنتهي المعركة على هذا النحو، فمن المحتمل أن ينتهي الأمر بفقدان فيس بوك للمستخدمين في أستراليا، وتراهن الحكومة الاسترالية على أن الجمهور لن يقف أبدًا مع الشركات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، والتي تأخذ الأموال من البلاد، وإذا حدثت المقاطعة، وخسر فيس بوك مستخدميه، وتراجع فستفوز الحكومة، وإذا لم يحدث ذلك ولم يخسر فيس بوك مستخدميه، فيكون ذلك بداية لعلاقة مختلفة تماما، فإلي أي مسار تتجه المعركة … لننتظر ونري.