زرع 1024 قطب كهربي برأس خنزير تفتح باب حوسبة العقل والتفكير

ربما يكون الخنزير “جيرترود” المزود بشريحة الكترونية تضم 1024 قطب كهربائي فائقة الضآلة، ومثبتة في مللميتر داخل جمجتمه، أهم خطوة تحققت خلال عقدين من الزمان تقريبا،  علي طريق قراءة أفكار العقل عبر الحاسب، أو ما يطلق عليه “حوسبة العقل والتفكير”، فقد تحقق لهذا الخنزير قناة تواصل بين المخ، وجهاز حاسب موضوع بجانبه، عبر اتصال لاسلكي بتقنية بلوتوث، تلعب فيه الشريحة الملليمترية بأقطابها 1024 قاعدة الاتصال والربط الأساسية، لتنقل علي الشاشة ما يدور في المخ.
الأقطاب ترصد النشاط العصبي للمخ وتعرضه بالحاسب
تطبيقات محتملة  اعلاج الشلل النصفي وتخزين  الذكريات
خطوة اسرع من المتوقع في التواصل بين المخ والحاسب
تمثل تجربة الخنزير ” جيرترود ” حلقة حديثة، في جهود مستمرة منذ سنوات طويلة تناهز العقدين، انقضت وعلماء الحوسبة العصبية، يواصلون خلالها البحث والجهد والمثابرة والابتكار، من اجل بناء قناة ربط رحبة بلا عوائق، بين النشاط الكهربي والنبضات العصبية بالمخ، والنشاط الكهربي والمعالجة الرقمية للمعلومات بالحاسب، بهدف الوصول إلي مرحلة التقاط وفهم إشارات المخ العصبية، وفتح الطريق نحو ترجمة ومعرفة ما تحمله من أفكار تموج بالعقل، أو مختزنة فيه، ليتم في النهاية تحقيق تواصل مادي مباشر بين العقل والحاسب، لخدمة أغراض تبدأ بمساعدة من تعرضوا لإصابات بالنخاع الشوكي والشلل النصفي، وانتهاء بالوصول للذكاء الرقمي الخارق، وتخزين وإعادة تحميل الذكريات والخبرات في جسد آخر أو حتي روبوت، وبعد فترة طويلة من تواضع النتائج وقصورها خلال السنوات الماضية.
التجربة الثالثة
أجريت البحوث الخاصة بالخنزير جيرترود من قبل شركة ” نيورا لينك” المتخصصة في بحوث حوسبة العقل والتفكير، التي أسسها ويرأسها خبير التقنية البارز عالميا إيلون موسك، الذي أسس ويرأس أيضا شركة سبيس اكس الفضائية وتسلا للسيارات الكهربائية، ويعد الخنزير جيرترود ثالث محاولة تقوم بها الشركة خلال ثلاثة أعوام متتالية، لزرع شرائح الكترونية بالغة الصغر والدقة، في رؤوس كائنات حية، بغية رصد نشاطها العصبي داخل المخ، ونقله للحاسبات لفك شفرته وقراءته، حيث عرض موسك في عام 2018 أول تجربة قامت بها شركة “نيورا لينك” وتمت على الفئران، وفي سبتمبر 2019، عرض ثاني تجربة تمت على قرد، وجاءت تجربة الخنزير جيرتود التي عرضها موسك في نهاية 2020، لتمثل الجولة الثالثة في بحوث واجهات التفاعل بين المخ والحاسب، وخلال عرض نتائج التجربة، ظهر الخنزير ” جيرترود” وهو يتدافع ويلهو بقلم على خشبة مسرح المؤتمر المعد لعرض الحدث، بينما الشريحة المثبتة في رأسه ترصد النشاط العصبي لمخ الخنزير كاملا، وتنقله لاسلكيا عبر تقنية ” بلوتوث ” ليعرض على شاشة حاسب، محققا تمثيلا رقميا لكل نشاط عصبي مرتبط بأي حركة يقوم بها الخنزير، وكأن الحاسب يقرأ ما يحدث بالمخ.
البلوتوث بدلا من الكابلات
في التجربة الجديدة علي الخنزير جيرترود، انتقلت وسيلة نقل البيانات العصبية، من النقل عبر كابلات اليو اس بي، كما ظهر في التجارب الأولي على الفئران، إلي النقل اللاسلكي بكفاءة بالغة عبر تقنية بلوتوث، وذلك بفضل جهاز جديد طورته الشركة لنقل الإشارات العصبية لاسلكيا، ووصفه بانه ” اختراق علمي “، حصل علي موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية لتجربته علي الحيوانات.
يعمل الجهاز المستخدم في التجربة بالجيل الثاني من الشرائح الالكترونية الدقيقة التي يتم غرسها داخل الجمجمة، ويتسم بأنه أكثر إحكاما ويتناسب مع تجويف بالغ الضآلة، في عظام الجمجمة، ويضم “خيوط” من الأقطاب الكهربية الصغيرة، تخترق السطح الخارجي للدماغ ، وتكتشف دفعة كهربائية من الخلايا العصبية التي تظهر أن الدماغ يعمل. تمشيا مع خطط نيورا لينك طويلة المدى ، تم تصميم الخيوط للتواصل مرة أخرى ، مع الإشارات التي تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر الخاصة بها.
ألمح موسك إلي أن فريق نيورا لينك يستكشف تقنيات لاسلكية أخري لزيادة عدد روابط البيانات بشكل كبير وأضاف : إذا استطعت أن تشعر بما يريد الناس القيام به بأطرافهم ، فيمكنك إجراء عملية زرع ثانية في المكان الذي حدثت به إصابة العمود الفقري وإنشاء تحويلة عصبية، وأنا واثق على المدى الطويل أنه سيكون من الممكن استعادة حركة الجسم بالكامل لشخص ما.
واكد أن هدف نيورا لينك هو مساعدة الناس على التعامل مع إصابات المخ أو العيوب الخلقية، والمصابين بالشلل النصفي الذين فقدوا القدرة على الحركة أو الإحساس بسبب إصابة النخاع الشوكي، من خلال علاج طبي فعال ، يقوم على التواصل بين المخ والحاسب، لكن الهدف على المدى الطويل هو بناء ” الذكاء الرقمي الخارق” الذي يحقق في النهاية الدمج أو التواصل بين العقل البشري والذكاء الاصطناعي، وأن يظل العقل البشري هو الأكثر تفوقا وسيطرة طوال الوقت، لا الذكاء الاصطناعي ونظمه وتطبيقاته.
التخاطر المفاهيمي
لا يخفي موسك أن رؤيته لهذه البحوث تتضمن ابعادا أخري مستقبلية، بما في ذلك أفكار مثل “التخاطر المفاهيمي” ، حيث يمكن لشخصين التواصل إلكترونيًا من خلال التفكير في بعضهما البعض بدلاً من الكتابة أو التحدث، وقال أن علماء نيورا لينك ناقشوا الاستخدامات المستقبلية لبحوث حوسبة العقل والتفكير، مشيرا إلي أنه في المستقبل ستتمكن من حفظ وتخزين ذكرياتك بشكل أساسي، وكنسخة احتياطية، ليتم بعد ذلك استعادتها، وتنزيلها في جسم جديد، أو في إنسان آلي، وتشمل الاحتمالات المستقبلية الرؤية بالأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية أو الأشعة السينية باستخدام بيانات الكاميرا الرقمية، وبمرور الوقت يمكننا أن نمنح شخصًا ما رؤية فائقة.
ويذكر أن نشاط نيورا لينك يأتي ضمن فئة من البحوث التي يطلق عليها ” بحوث بناء واجهات التفاعل بين المخ والحاسب”، وهي بحوث تنخرط فيها شركات اخري عديدة، من ابرزها شركة فيس بوك، التي تركز علي بناء واجهات تفاعل من خلال اقطاب وتجهيزات لا يتم زرعاها جراحيا في الرأس أو تحت الجمجمة، ولكن من خلال خوذات يتم ارتدائها علي الرأس.