جمال محمد غيطاس
تقنية المعلومات زاخرةـ بالكثير من المفاهيم والاصطلاحات والمعايير وثيقة الصلة بالسياسة والحكم والإدارة، حتي أننا لو أردنا قراءة أي مشهد سيأسى أو أداء لسلطة أو رئيس من منظور تكنولوجي، سيمكننا بسهولة تصنيف الحكام وفق معايير تقنية محضة.
بعبارة أخرى .. توفر لنا تقنية المعلومات توصيفات واضحة لأنماط الحكام الرؤساء والقابضين على السلطة، الذين تولد على ايديهم الألغاز الغامضة، والأداء البائس، والإدارة الخائبة، والعسف غير المبرر، والمستقبل الغامض، كما توجد كذلك توصيفات تقنية واضحة للرؤساء والحكام، الذين تولد على الخطط الباهرة والكفاءة النادرة، والنظم الرشيدة، والعدل الناصع، والرؤية الواضحة، والمستقبل المشرق.
لو أخذنا التطور الذى يمر به الحاكم أو الرئيس البائس الاداء الفاقد الرؤية، سنجده المركز الأدنى للتصنيف يبدأ بالحاكم الذى لا يملك رؤية، ولا يقرأ الواقع جيدا، ويعيش حالة من التشويش، تصبغ حكمه بصبغة الضبابية وعدم الوضوح، وهذا يقابله في عالم التقنية حالة الـ Fuzzy Reality، وهى الحالة التى يتم رصدها حينما يواجه التقنيون والمعلوماتيون ومسئولي النظم واقعا غامضا غير واضح ، به قدر من التشويش وعدم التحديد، وإذا لم يملك القائم برصد وتحليل الواقع القدرة الكافية على تكوين رؤية محددة لهذا الواقع، فهو غالبا يصنف الحالة على أنها Fuzzy Reality، ويبدأ التعامل معها بنظم تحمل المفهوم نفسه، لذلك فإن الحاكم الذي يعيش هذه الحالة يصنف بمقياس التكنولوجيا واصطلاحاتها ـ على أنه الرئيس المشوش، الذى لا يقرأ الواقع بوضوح، ويتصور أنه يفهمه ويعلمه بكل الوضوح، فيجرف معه شعبه ومجتمعه إلى حالة واضحة التشويش مليئة بالألغاز.
إذا استمر الحاكم او الرئيس في انكار حالة التشويش، فستتعاظم لديه المعضلة، ويعمل على نقلها من ذهنه المشوش، إلى الواقع الفعلي الذى لم يفهمه أصلا، أي يقوم بتعزيز الواقع بشيء متخيل لا اساس له في الواقع، وفى عالم التكنولوجيا يحدث هذا الأمر حينما يقوم خبير التقنية بالتعامل مع واقع فعلى حقيقي، ويسقط عليه أهداف تخيلية غير حقيقية، وأقرب مثال على هذه التقنية هى لعبة البوكيمون الشهيرة، ففيها يتم التعامل مع المعلومات والبيانات الموجودة على الخرائط الواقعية الفعلية، المربوطة بخدمة تحديد المواقع الحية التي تتغير لحظيا مع الحركة، ويتم اسقاط البوكيمون على الخريطة، ليذهب ممارس اللعبة إلى منطقة البوكيمون لاصطياده.
هنا تكون حالة الحاكم قد انتقلت إلى المركز التالي الأعلى في مؤشر التصنيف التقني للحكام، ليتم تصنيفه على أنه الحاكم البوكيمون، الذى لديه واقع فعلى حقيقى معاش، ويحاول تعزيزه بشىء من الخيال الذى لا أصل له ولا صلة له بالواقع، تماما مثل البوكيمون، فيتحدث لشعبه عن انجازات وهمية، ومعارك ومؤامرات ومطاردات يؤكد وجودها في الواقع، لكنها في الأصل خيالية، ولذلك كلما تسابق الشعب للإمساك بالأهداف والأشياء التي تحدث عنها الرئيس، وجد نفسه يقبض على الريح.
إذا استمر الحاكم في هذا المسار ، سيزداد لديه جنون العظمة، وتتسع في عقله مساحات الخيال، فينتقل إلى وضعية أخرى، تضعف فيها صلته بالواقع بصورة أكبر، وتنفصم فيها عرى علاقته بشبعه ووطنه ومواطنيه بصورة أشد، فينسج كل شيء من الخيال ويضعه في الخيال، مترفعا عن التعامل مع الواقع جملة وتفصيلا ، فلا يلتفت للواقع الحى، سواء ليقرأه أو ليسقط عليه شيئا خياليا من تفكيره، بل يحصر تفكيره في خياله هو فقط، وأي صورة تتكون لديه يسقطها في الفراغ، ثم يطلب الى شعبه النظر الى هذا الفراغ الذى اسقط فيه خيالاته، وهذا الحالة تناظر صورة الهولوجرام Hologram في عالم التكنولوجيا، التي هي في الأصل من خيال شخص أو نظام أو برنامج قام بتوليد صورة لشيء لا أساس له من الواقع، وقام بتجسيدها تجسيدا ثلاثيا أو رباعيا في الفراغ امام شاشة الحاسب أو شاشة جهاز العرض، بحيث تبدو لمن يراها أنها شيء موجود فعليا، وهى في الأصل صورة مجسدة في الهواء، لذلك فإننا إذا ما طبقنا معايير التكنولوجيا على رئيس يعيش هذه الحالة، نكون فعليا أمام أمام الرئيس أو الحاكم المصنف على أنه ” الحاكم الهولوجرام”، وهي المرتبة الأعلى مرضا وبؤسا من الحاكم البوكيمون والحاكم المشوش..
قد تشتد الحالة بالحاكم او الرئيس، فلا يشعر بهذه النقلات التي قادته من التشويش إلى تعزيز الواقع بالخيال إلى وضع الخيال في الفراغ، فيقرر أن يتخيل كل شىء بعيدا عن الواقع، ثم يحتفظ به لنفسه في مخيلته فقط ولا يطلع عليه أحد، وهنا يكون قد وصل إلى قمة “التخيلية”، أي جعل كل شيء افتراضي تخيلى فقط، فيفكر ويعمل وينجز ويعيش بطريقة افتراضية تخيلية كاملة، يضن بها على شعبه، وإذا طبقنا معايير تقنية المعلومات على هذه الحالة، نكون قد وصلنا إلي الذروة أو الدرجة الرابعة في مؤشر التصنيف التقني للحكام، والتي يصنف فيها الحاكم بننه “الحاكم الافتراضي”، لأنه من منظور تقنية المعلومات يكون قد بلغ مرحلة الحقيقة الافتراضية، التي كونها وعاشها هو فقط، بما في ذلك من نرجسية وأنانية وتوحد مع الذات، وقناعة تامة بامتلاك الحكمة المطلقة، والحقيقة الكاملة، فينتهى به المطاف وقد ادمج كل شيء في ذاته، فيكون هو المواطن والوطن والحاكم والمحكوم والدولة والسلطة، والماضي والحاضر والمستقبل.
الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يزيد عددها على الـ 170 دولة الآن، اى ان لدينا اكثر من 170 شخص قابض على السلطة، ما بين رئيس وملك ورئيس وزراء وخلافه، وما أطلبه الآن أن تبحث في أداء هؤلاء الملوك والرؤساء، ثم تحدد من هو الرئيس المشوش، ومن هو الرئيس البوكيمون، ومن هو الرئيس الهولوجرام، ومن هو الرئيس الذى تفوق على هؤلاء جميعا وأصبح الرئيس الافتراضي، الذى يعيش من نفسه لنفسه في عالم خيالى كامل الأوصاف.
كاتب صحفي
|
توفر لنا تقنية المعلومات توصيفات واضحة لأنماط الحكام ا الذين تولد على ايديهم الألغاز الغامضة، والأداء البائس، كما توفر كذلك توصيفات تقنية واضحة للرؤساء والحكام، الذين تولد على الخطط الباهرة والكفاءة النادرة
المركز الأدنى للتصنيف يبدأ بالحاكم المشوش الذى لا يملك رؤية، ولا يقرأ الواقع جيدا، ويعيش حالة تصبغ حكمه بصبغة الضبابية وعدم الوضوح، وهذا يقابله في عالم التقنية الواقع المشوش
الذروة في مؤشر التصنيف التقني للحكام، والتي هو الحاكم الافتراشى، الذي بلغ مرحلة الحقيقة الافتراضية، التي كونها وعاشها هو فقط، بما في ذلك من نرجسية وأنانية وتوحد مع الذات وانفصام تام عن الواقع