جمال محند غيطاس
مساء الجمعة 10 ابريل 2020، جري الإعلان عن نظام متبكر قدمته ابل وجوجل للمساهمة في مكافحة وباء كورونا، وقدمه للجمهور ساندر بيتشاي الرئيس التنفيذي لجوجل، وتيم كوك الرئيس التنفيذي لأبل، عبر بيان مشترك، ظهر في لحظة واحدة علي موقعي الشركتين، في سابقة لم تحدث من قبل، وصدر البيان مصحوبا بوثائق و”وورقة بيضاء” تحمل تفاصيل النظام واهدافه.
حمل النظام اسم ” تقنية تتبع الاتصال”، وهدفه الرئيس إيجاد “مناطق وممرات آمنة”، تحيط بحامل الهاتف المحمول، بمسافة يقترح أن تكون تسعة امتار، يقوم النظام بالتأكد من خلوها ممن يحملون هواتف محمولة، أصيب أصحابها بالفيروس، أو خالطوا مصابين به خلال فترة تقدر بـ 14 يوما مضت، ولأن تقنية بلوتوث بالهاتف المحمول تلعب دورا حيويا في هذا النظام، فإنه يمكن وصفها بـ “مناطق بلوتوث الآمنة”.
وفقا لما ورد بوثائق المشروع المعلنة من الشركتين، فإن سيناريو عمل النظام كالتالي:
يتم اولا تسجيل هاتف من أثبت التشخيص أنه إيجابي ومصاب بالفيروس في قاعدة بيانات مركزية لدي السلطات الصحية، وباستخدام البيانات التاريخية الخاصة بهذا الهاتف، يتم تحديد جميع الهواتف التي كانت بالقرب منه خلال اسبوعين ماضيين، لإنشاء دوائر الاختلاط الخاصة بصاحب الهاتف، خلال هذه الفترة، مع إعطاء وزن لكل هاتف كمصدر للإصابة، بناء علي مدة بقائه بالقرب من هاتف الشخص المخالط أو المصاب، والمسافة بين الاثنين، وعدد مرات التلاقي بينهما.
وثانيا يتم بث وتنزيل هذه البيانات علي الهواتف المحمولة للأشخاص الموجودين في نطاق عمل قاعدة البيانات المركزية، والتي يفترض أن تكون تابعة للسلطات الصحية المحلية، في مقاطعة أو حي أو مدينة أو قرية او دولة كاملة، او حتي علي مستوي العالم، بحسب الحاجة والموارد المتاحة.
وثالثا:عند مرور أي شخص، ومعه هاتفه المحمول في أي مكان، سيتم طوال الوقت وبصورة افتراضية تلقائية، انشاء اتصالات في اتجاهين، بينه وبين جميع الهواتف المحيطة به، في نطاق تغطية إشارة بلوتوث من جميع الاتجاهات، لمسافة يقترح أن تكون في حدود تسعة امتار علي الاكثر.
والاتصالات المتبادلة بين هذه الهواتف تكون ثنائية الاتجاه، أي تبث بيانات وتستقبل اخري فيما بين بعضها البعض بصورة متزامنة ومتعددة، ويقوم كل هاتف بعمليات مضاهاة سريعة، بين البيانات التى يتلقاها من الهواتف حوله، مع البيانات التي تلقاها من قاعدة البيانات المركزية للسلطات الصحية.
ورابعا: إذا اثبتت المضاهاة أن الدائرة المحيطة بهاتف المستخدم، يوجد بها هاتف خاص بشخص اصيب أو خالط شخص مصاب سابق، خلال الاربعة عشرة يوما السابقة، يقوم الهاتف بإصدار تنبيه لصاحبه بوجود مصاب أو شخص خالط شخص سابق مصاب بالعدوي، داخل دائرة التسعة أمتار، ويحدد اتجاه وجود الشخص، ليقوم صاحب الهاتف بالخروج والابتعاد للمسافة الآمنة.
وإذا تعذر علي الشخص متابعة التنبيه الذي صدر، أو قام الشخص بتجاهل التنبيه، وبالتالي لم يخرج من دائرة الاتصال مع مصاب سابق أو مخالط سابق، وتجاوز الأمر الحدود الآمنة، يتم تسجيله علي أنه مخالط سابق، مع توثيق بيانات الاختلاط من حيث المسافة والوقت وعدد المخالطة.
عند وضع السيناريو التشغيلي السابق الإشارة إليه، يمكن متابعة وتنبيه ملايين الاشخاص الاصحاء، بطريقة فعالة وسريعة لحظية طوال الوقت، حول عمليات الاختلاط والاقتراب من مصابين سابقين أو مخالطين، وفق المسافة المشار إليها، ومن ثم الانتباه الي تفادي الاختلاط بهم، ومع اتساع نطاق التباعد وتفادي المخالطة، تقل احتمالات انتقال الفيروس إلي اشخاص جدد، فيخف معدل انتشاره، ومع تكرار الدورة من جديد، يتم تدريجيا إضعاف دورة انتشار الفيروس، من حيث السرعة، ونطاق الانتشار، ومن ثم محاصرته في نطاق بؤر صغيرة متفرقة، يمكن للسلطات الصحية التعامل معها بكفاءة وتركيز اكبر حتي دحره.
في يوم الإعلان عن هذا النظام كان إجمالي عدد المصابين بكورونا في الولايات المتحدة 4 ملايين و909 الفا وعدد الوفيات 71 الفا و500 وفاة، وبعد مرور ما يقرب من العام علي الإعلان عن النظام، وتحديدا في 26 يناير 2021 كانت الإصابات قد ارتفعت إلي ما يربو علي 19 مليونا، والوفيات الي ما يزيد علي 400 ألفا .
يعني ذلك أن المشروع برمته كان أحلاما كبيرة، وفشل اكبر، وأن فكرة مناطق بلوتوث الآمنة، لم تحقق أمرا يستحق الوقوف عنده، كما يعني أن اندفاعة جوجل وابل، وهما من أكبر عمالة تقنية المعلومات في العالم، لم تكن سوي فورة حماس، وردة فعل تعبر عن الارتباك والهرولة، اكثر منها تخطيط محكم، قائم علي اهداف قابلة للتحقق والقياس.
يمكننا القول أيضا ان نظام مناطق بلوتوث الآمنة حاول ركوب موجة جماهيرية، ومداهنة إدارة وسلطة حكم طائـشة، كان علي رأسها دونالد ترامب، الذي يعد واحد من أغرب واعجب الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة، واشهدهم غوعائيه وسطحية وبعدا عن العلم والعقلانية، والخلاصة أن الدرس المستخلص من هذه الواقعة، يتمثل في أن التسرع وتلويث العلم بمآرب السياسة، يقود في الأغلب لنتائج غير مرغوبة، حتي لو كان في الميدان عمالقة علي غرار جوجل وابل.
كاتب صحفي
|
كان الهدف ايجاد “مناطق وممرات آمنة”، تحيط بحامل الهاتف المحمول، بمسافة يقترح أن تكون تسعة امتار، يقوم النظام بالتأكد من خلوها ممن يحملون هواتف محمولة، أصيب أصحابها بالفيروس، أو خالطوا مصابين لكسر انتشار الوباء
يوم الإعلان عن هذا النظام كان إجمالي عدد المصابين في الولايات المتحدة 4 ملايين و909 الفا وعدد الوفيات 71 الفا و500، وبعد مرور ما يقرب من العام عوتحديدا في 26 يناير 2021 كانت الإصابات 19 مليونا، والوفيات الي تزيد 400، ما يعني الفشل في كسر انتشار الوباء
الدرس المستخلص من هذه الواقعة، يتمثل في أن التسرع وتلويث العلم بمآرب السياسة، يقود في الأغلب لنتائج غير مرغوبة، حتي لو كان في الميدان عمالقة علي غرار جوجل وابل